رؤى ومقالات

نسيم قبها يكتب ….ناتو عربي بأجندة خارجية

شهدت مدينة وارسو البولندية يومي 14-15/2/2019 مؤتمرًا حشدت له الولايات المتحدة عددًا من الدول بحجة تكوين تحالف دولي من أجل التصدي للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. وتحت عنوان “تشجيع الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط” ترأس نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى جانب وزير الخارجية مايك بومبيو هذا المؤتمر بحضور صهر الرئيس غاريد كوشنر ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقد سبق الإعداد لهذا المؤتمر من خلال جولة مكوكية قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ابتداءً من 9/1/2019. وجاءت جولة وزير الخارجية الأميركي للمنطقة، والتي شملت تسع دول عربية، لتبدو في ظاهرها أيضًا وكأنها من أجل إنشاء تحالف دولي يتصدى للنفوذ الإيراني في المنطقة وبخاصة في سوريا. وهذا ما عبر عنه بومبيو بقوله: “إن أميركا تعمل على إقامة تحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن”.
ومن أجل إنجاح هذا التحالف المزعوم فإن أميركا تريد إنهاء الخلافات العربية ورص الصفوف بين الدول المكونة لهذا التحالف. ولذللك دعا بومبيو من القاهرة دول الشرق الأوسط إلى إنهاء الخصومات القديمة والتحالف ضد إيران؛ لأن “الخلاف الخليجي يصب في صالح إيران” بزعم بومبيو.
أما كيف سوف تعمل أميركا على الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة فقد صرح بومبيو وكأنه يمزح بالقول إن “واشنطن ستعمل بالدبلوماسية على طرد آخر جندي إيراني من سوريا”. وحتى يزيد بومبيو في مزحته الدبلوماسية فإنه ربط بين مشاركة أميركا في إعادة إعمار سوريا وبين انسحاب إيران منها. أما بخصوص دول الخليج وضرورة انضمامها لهذا التحالف الأميركي الجديد فإن بومبيو هددها بشكل مبطن قائلًا: “إن دول الخليج لن تنعم بالأمن ما دام التهديد الإيراني موجودًا”.
والمدقق في جولة بومبيو بالمنطقة يجد أنه قد سبقتها بأيام زيارة قام بها مستشار الأمن القومي جون بولتون إلى بعض دول المنطقة هي إسرائيل وتركيا. ورغم أن هذه الزيارة تبدو في ظاهرها متعلقة بالانسحاب الأميركي المزعوم من سوريا لكنها في الحقيقة تصب في نفس غايات جولة بومبيو الحقيقية.
لقد جاءت جولة بومبيو وزيارة بولتون إلى المنطقة في غاياتها الظاهرة وحيثياتها المعلنة بأنها موجهة ضد إيران للضغط عليها لتقليص أو إنهاء نفوذها في العراق وسوريا وبقية دول المنطقة. أما الحقيقة فإن هذا التحالف الجديد، الذي تريد أميركا تكوينه من دول مجلس التعاون الخليجي ومن مصر والأردن وإسرائيل، لا يُراد منه فقط الضغط على إيران بالوسائل السياسية لحملها على قبول التحولات الجديدة بل يُراد منه أهدافًا أخرى من أبرزها تحويل العداء عن كيان يهود لتسهيل تطبيع العلاقات معه وإدماجه في المنطقة التي تشهد عمليًا السير فيما بسمى بصفقة القرن وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك ما يشير إلى استهداف الحلف المزمع انشاؤه لتركيا، وبخاصة ما يتعلق بمشكلة شمال سوريا, وقضية حقول غاز البحر المتوسط فضلًا عن العمل على منعها من السعي للتأثير على بعض دول الإقليم.
أما ما يشير إلى استهداف الحلف المزمع انشاؤه لتركيا فهو السعي الحثيث لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد ويتمثل ذلك في تسارع خطوات إرجاع النظام السوري لجامعة الدول العربية. وبحسب تقرير “ميدل إيست آي” البريطانية فإن مصر وبقية دول الخليج تريد من الحكومة السورية أن تعلن أن أعداءها الرئيسيين هم تركيا وقطر والإخوان المسلمين. وهذا الإعلان يُعدُّ مقدمة حسنة في مسار عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية وحصوله على دعم الدول العربية في معارضة الوجود العسكري التركي في شمال سوريا.
والأمر الآخر هو اللقاء الذي كشفت عنه صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية بين قادة مخابرات كل من مصر والسعودية والإمارات بالإضافة إلى “إسرائيل”، في كانون أول/ديسمبر 2018 بمدينة أبوظبي ومما وصل إليه قادة هذا اللقاء أنهم أجمعوا على أن أنقرة وليس طهران هي الخصم العسكري الرئيسي بالمنطقة لهم، وأنهم وضعوا خططًا لمواجهة النفوذ التركي. فهم يعتبرون أن إيران يمكن احتواؤها عسكريًا، أما تركيا فلديها قدرات أكبر بكثير مما يبدو عليها. ومن الواضح أن منع تركيا من تحقيق استقلاها الكامل عن الولايات المتحدة وعن الغرب من أولويات السياسة الخارجية الأميركية.
ثم ان إن غياب تركيا عن مؤتمر وارسو أو عدم دعوتها أصلا يشير الى استبعادها قصدًا رغم أهمية موقعها في الأزمة السورية وباقي ملفات الشرق الأوسط .
ويبدو أن مصر ستلعب دور رأس الحربة في الحلف الجديد للقيام بالمهام نيابة عن أميركا وبالتنسيق مع بقية الدول الثلاث. أما أهم المحاور التي تشتغل عليها مصر كرأس حربة متقدمة ونائبة عن أميركا والقوى الاستعمارية في محاصرة تركيا فيمكن ملاحظتها من خلال محورين أساسيين:
المحور الأول: العمل عل منع تركيا من استغلال حقول الغاز في شرق المتوسط حتى لو وصل الأمر للصدام العسكري. فقد صرح السفير الإسرائيلي بنيقوسيا بأن تركيا «تقوم بأعمال مستنكرة وتحريضية للتنقيب عن الغاز الطبيعي»، ملوحاً بـ”احتمالية أن تضطر تل أبيب إلى التدخل عسكريا بسبب التهديدات التركية”. وشددت السفيرة الأميركية، كاثلين دورتي، على أن موقف تركيا تجاه القبارصة “غير مقبول”. وتبعتها في ذات التهديد السفيرة المصرية في قبرص، مي طه محمد، التي قالت أن مصر لن تتهاون في استخدام القوة العسكرية ضد تركيا في مسألة التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط. وقد ردت تركيا على التصريحات السابقة بنصيحتها لممثلي تلك الدول “بعدم تجاوز الحدود”.
المحور الثاني: التسليح الكبير للجيش المصري عبر إبرام صفقات سلاح هائلة تشمل طائرات مقاتلة حديثة وسفنًا حربية ذات تكنولوجيا متقدمة, وإجراء مناورات برية وبحرية وجوية مشتركة منها مناورات “درع العرب 1” التي شاركت فيها إضافة للقوات المصرية كلٌ من السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن, فضلًا عن إجراء تدريبات بحرية وجوية وبرية مع اليونان وقبرص نهاية العام الماضي في شرق بحر إيجه وجنوب جزيرة كريت بالبحر المتوسط.
وإذا كانت مناورات “درع العرب 1” هي مقدمة لما يسمى بحلف “الناتو العربي”، الذي تسعى أميركا لتأسيسه بدعوى مواجهة إيران فإن المناورات مع اليونان إنما تصب مباشرة في توجيه رسالة إلى تركيا بأن لا تتدخل في شرق المتوسط سواء في التنقيب عن النفط أو في حركة الملاحة البحرية. ويبدو أن الرسالة قد وصلت إلى تركيا، ولذلك ما كان منها سوى أنها أعلنت عن إطلاق أضخم مناورة حربية بحرية بتاريخها للقوات البحرية والبرية والجوية، بداية من 2/2 وحتى 3/2 2019م.
إن إعلان أميركا عن استعدادها للانسحاب من شمال سوريا ثم إعلان قبولها بموضوع “المنطقة الآمنة” في شرق الفرات، التي تطالب بها تركيا دون أن تحدد مواقع ومواعيد ذلك الانسحاب وتلك المنطقة، ما هو سوى تخدير جديد لتركيا وكسب للوقت حتى يتم الاتفاق مع الدول العربية المشاركة في حلف الناتو العربي على القبول بإرسال قوات عربية تحت عنوان “قوات حفظ سلام دولية”.
ذلك أن المسألة في شرق الفرات، كما تفهمها تركيا من خلال إدراكها للأهداف الحقيقية للمخططات الأميركية، هي وضع حزام دولي يمنع تركيا من القضاء على حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية ويكون مقدمة لحرب أهلية أو عملية غزو قادمة في تركيا تكون قاعدة انطلاقها البرية في شمال سوريا وقاعدة دعمها البحرية في مصر.
وفي الوقت الذي يتم فيه نشر هذه القوات العربية تحت اسم قوات حفظ سلام دولية في شرق الفرات بمشاركة قوات فرنسية وبريطانية فإن تركيا تكون قد دخلت في خطر حقيقي؛ لأنه سيتم حبس تركيا عند النقطة صفر من حدودها الجنوبية شرق الفرات فيما سيتم تحريك جبهات عفرين وغرب الفرات من أجل زعزعة الاستقرار في تركيا وتهيئة الأجواء لحرب أميركية عليها.
ولذلك لم يبق أمام تركيا حاليًا سوى خيار واحد وهو أن تتدخل بسرعة ودون تردد قبل أن تنشر أميركا قوات الناتو العربي في شرق الفرات بشمال سوريا؛ وحينها ستنقل أميركا المعركة إلى قلب الأراضي التركية. ولا يجب أن نغتر بما تروج له أميركا من وجود تحالف بينها وبين تركيا باعتبارهما عضوين في حلف الناتو.
وخلاصة القول أن أهم أهداف أميركا من وراء إنشاء حلف ناتو عربي وما يسعى إليه من محاصرة تركيا هي:
أولًا: منع تركيا من التنقيب على النفط في شرق المتوسط والتضييق عليها في حركة الملاحة وما يعنيه ذلك من حرمانها من توفير حاجاتها النفطية وتقليص تحركاتها العسكرية في عرض البحر الأبيض المتوسط.
ثانيًا: حماية حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري الوحدات الكردية من أية عمليات عسكرية تركية بعد أن أنفقت عليهما أميركا أموالًا طائلة في التدريب والتسليح. وإن أميركا لن تتخلى في المدى المنظور عن عملائها الأكراد لما يمثلونه من رصيد عسكري شبيه بجيش مصغر يمكن استعماله مستقبلًا في غزو تركيا أو في زعزعة استقرارها.
ثالثًا: ضرب العلاقات المتينة بين تركيا وروسيا في المجالات السياسية والاقتصادية والتنسيق الأمني والعسكري في سوريا والبحر الأسود. ويكون ذلك عبر تخويف روسيا من طموحات أردوغان في سعيه للاستغناء عن إمدادات روسيا بالتنقيب عن النفط في شرق المتوسط.
رابعًا: إضعاف القوة الناعمة لتركيا في البلاد العربية وبقية العالم الإسلامي عبر تجييش النعرات القومية والحد من تأثير الدراما التركية التي تبث تلفزيونيًا مثيرة لأحاسيس إسلامية تذكر المسلمين بأمجادهم وأهمية وحدتهم ومهمتهم في حمل رسالة الإسلام, وكذلك إضعاف تأثيرها وتدخلها في بعض مناطق الإقليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى