ثقافة وفنون

أشرف الريس يكتب عن: ذكرى ميلاد أمين الهنيدى

يوافق اليوم الذكرى السنوية الـ 94 لميلاد ” عاشق المسرح ” و ” صانع البهجة ” و ” فهلوى الضحكة ” و ” أحد أشهر مُمثلى الكوميديا المصريين ” الفنان الكبير و القدير ” أمين عبد الحميد أمين محمد محمد الهنيدى ” الشهير بأمين الهنيدى و هو الفنان الرائع الذى يُعد أحد نجوم الكوميديا المؤثرين فى السينما المصرية بعد أنحل ضيفاً خفيفاً على قلوب المشاهدين فى كل أدواره التى قدمها ليُطوع موهبته و يُقدم أقصى ما عنده لإمتاع الجُمهور بعد أن مثلت خفة دمه عاملاً أساسياً فى جعل شكله الطيب يذوب فى ثوب كوميديان قدير علاوة على تميُزه أيضاً باهتمامه بأناقته و ملابسه و بتسريحة شعره المُميزة التى استمر عليها طوال مشواره الفنى بذلك الفلق على جانبى رأسه و اهتمامه بان يكون شعره مُهندم مما جعله يشتهر بوضع الكريمات اللامعة عليه و بصبغه حتى مُنتصف عُمره لكنه توقف عن ذلك حين كبُر فى العُمر و احترم بعدها الشعر الأبيض و من عجائب القدر أن أولئك الذين رسموا الضحكة على وجوه الملايين و أمتعونا بأعمالهم الخالدة لم تخلُ نهاياتهم من المأساوية فإذا بحثت عن كواليس الأيام الأخيرة فى حياة عمالقة الكوميديا ستجدها مُثيرة جداً للشفقة و الحزن بداية من إسماعيل يس و مروراً بزينات صدقى و عبد الفتاح القصرى و غيرهم كثيرون وصولاً إلى بطل مقالنا اليوم و الذى لقبّه الجمهور بـ ” صانع البهجة ” و لكن مع الأسف لم ينل من لقبه أى نصيب ! و الحق يُقال أن قليلون جداً ممن أمتعونا بأعمالهم الكوميدية التلقائية و الذين مرور علينا بأدوارهم البسيطة يسكنون القلب و لا يغادرون و يغيبون و لكن تزورنا أطيافهم و نحن نائمون و قد يجهلون بأن لهم فى عيوننا قصور و رموشنا لهم يحرسون و هم الى أعماقنا أقرب مما يتخيلون و كان أمين الهنيدى بالتأكيد على رأس هؤلاء القليلين الذين تركوا بصمة غائرة فى قلوبنا قبل أن يتركوها فى ذاكرة الفن السابع و للأمانة فإن حياة الهنيدى كانت مليئة بقليلٍ من الورد و بكثيرٍ من الأشواك و هُما اللذان رسما مشواره الفنى و عوضاه عن الإستمتاع بحياته العادية التى حُرم منها بسبب المريض اللعين الذى تلازم مع بريق الشهرة التى حققها خلال سنوات رحلته الفنية المُضيئة .. ولد الهنيدى فى 1 / 10 / 1925م فى مدينة المنصورة بمُحافظة الدقهلية وسط أسرة مُتوسطة الحال و عشق التمثيل مُنذ الصغر و كان يُمارسه فى مابين الحين و الأخر فى فترة الراحة بين الحصص الدراسية بتقليد الفنانين حتى نال ذات مرة علقة ساخنة من الأستاذ ” منعم ” مُدرس التاريخ الذى دخل الفصل قبل ميعاد الحصة بـ 3 دقائق و فوجئ بالهنيدى و هو يُقلده و أصر أن يمنعه من دخول المدرسة حتى يأتى ولى أمره و خشى الهنيدى من ذلك فاتفق مع عم ” فرحات ” العطار بالمنطقة أن يذهب للمدرسة و ينتحل صفة والده مُقابل 3 قروش و تم ذلك بالفعل و لكنه إفتتضح أمره حين ارتاب ناظر المدرسة فيه و طلب منه إبراز بطاقته الشخصيه و انتهى الأمر بعلقة ساخنة لهنيدى و عم فرحات العطار ! .. انتقل الهنيدى مع والده إلى القاهرة حيث التحق بمدرسة شبرا الثانوية و قد دخل عالم الفن و هو لا يزال طالب فى الثانية عشرة من عمره حيث كان يلقى المنولوجات الفُكاهية لكلا من ” إسماعيل ياسين ” و ” ثريا حلمى ” فى العديد من الحفلات ثم بكلية الآداب ثم تركها و فضل الإلتحاق بكُلية الحقوق التى تركها أيضا ليلتحق بالمعهد العالى للتربية الرياضية و تخرج منه عام 1949م ليبدأ مسيرته المهنية كمدرس للتربية الرياضية ثم تمت ترقيته إلى أن أصبح مدير عام النشاط الرياضى .. بدأ الهنيدى التمثيل لأول مرة كمُحترف على مسرح الريحانى ثم سافر إلى السودان عام 1954م و عمل مع الفنان محمد احمد المصرى ” ابو لمعه ” و كونا مع بعضهما فرقة مسرحية و حينما عاد لمصر إشترك فى برنامج ساعة لقلبك بالإذاعة ثم انضم بعد ذلك إلى فرقة ” تحية كاريوكا ” و برع فى تجسيد شخصية ” الشيخ حسن ” مسرحية ” شفيقة القبطية ” و التى قال بخصوصها هنيدى فى إحدى اللقاءات التليفزيونية ” اكتشفت موهبتى و أدركت أننى شخص موهوب فعلاً و لست مُمثلاً سطحياً عندما مثلت شخصية الشيخ حسن مع المُمثلة الراقصة تحية كاريوكا و يعد هذا الفيلم بداية « وهج » و لفت الأنظار لىّ فضلاً عن أن الدور أعطى لى ثقة شخصية و كان بداية مشوار كله ثقة و طموح و إقبال لأن هذه الشخصية استحوذت على الإعجاب و التقدير من جانب النُقاد و الجمهور فدعت المُخرج ” محمد سالم ” أن يخرج لى فيلم سينمائى باسم ” مُنتهى الفرح ” الذى جمع العديد من اهل الطرب و الغناء و بينهم شاديه و مها صبرى و فايزه احمد و صباح و محمد عبد الوهاب و اسامه روؤف و عبد الوهاب الدوكالى و فريد الاطرش و شارك التمثيل حسن يوسف و عرض 14 اكتوبر 1963م ” و فى ذلك التوقيت تكونت فرقة التليفزيون المسرحية و انضم إليها الهنيدى و حقق نجومية كبيرة من خلال الأدوار التى أسندت إليه  كان من أبرزها دور ” الحانوتى ” فى مسرحية ( أصل و صورة ) و أيضا دور ” المُدرس ” فى مسرحية ” لوكاندة الفردوس ” ثُم كوّن الهنيدى بعد ذلك فرقته المسرحية و معها قدم للجُمهور قرابة العشرين مسرحية من بينها ” شفيقة و متولى ” و ” حلمك يا شيخ علام ” و ” حسن حسنين حسن ”  و ” 20 فرخة و ديك ” و ” غراميات عفيفى ” و ” الضيف اللى هوه ” و ” يا عالم نفسى أتسجن ” و” جوزين و فرد ”  و ” عبود عبده عبود ” و ” سد الحنك ” و ” سبع و لا ضبع ” و ” المهزلة ” و ” الدنيا مقلوبة ” و ” الفضيحة ” لكن عانده الحظ فى عام ‏1978م فقام بحل الفرقة لمدة ثلاث سنوات ثم عاد إليها من جديد ليقدم بها مسرحيتين لتتوقف الفرقة بعد ذلك كما قدم للأطفال مسرحية ” ممنوع يا كروان ” .. نجح الهنيدى كمُمثل كوميدى فى الإذاعة و فى السينما أيضاً و قدم عدة أفلام مثل ” الحدق يفهم ” و ” إحنا بتوع الاسعاف ” و ” طائر على الطريق ” و ” الدنيا مقلوبه ” و ” القرش ” و ” إحترسى من الرجال يا ماما ” و ” صديقى الوفى ” و رحلة عيون ” و ” 7 ايام فى الجنة ” و ” أنا ومراتى و الجو ” و ” واحد فى المليون ” و ” شنطة حمزة ” و ” الظريف والشهم و الطماع ” و ” 6 بنات وعريس ” و ” سيد درويش ” و ” الأزواج و الصيف ” و يُعد فيلم ” القطار ” آخر ماقدمه على شاشة السينما فى عام 1986م .. تزوج الهنيدى عام 1969م من سيدة من خارج الوسط الفنى و أنجب منها 3 من الأبناء هم ” صالح ” و ” عبد الحميد ” و ” محمود ” و قد ذكر الأخير فى إحدى الحوارات الصحفية بأن والده كان فى المنزل أكثر رصانة من أدواره الكوميدية لافتاً إلى أنه كان خفيف الظل فى البيت لا يُثير قلقاً حوله إلا فترات قليلة أثناء تركيزه فى دورٍ ما كما أضاف محمود بأن والده كان يغضب منه هو و أشقائه إذا حدث تقصير من أحدهم فى دراسته أو تمرينه فى أحد الرياضات التى يُمارسونها مؤكداً أنه كان مُتابعاً جيداً لأولاده حق المُتابعة و كان يعامله هو و أشقائه كُلاً حسب سنه و بما يتلائم مع المرحلة السنية التى يعيشون فيها مُشيراً إلى أنه لم يُمارس ” السباحة ” مثلًا كأخوته إنما أحب ” التايكوندو ” و تقبل والده ذلك .. حصل الهنيدى خلال رحلته الفنية على وسام من الدرجة الثانية تقديرا لجهوده فى مهرجانات الشباب عام‏ 1966‏م كما حصل على دبلوم أكاديمية إعداد القادة عام‏ 1956‏ وفى بداية الثمانينيات سيطرت على الهنيدى هواجس الوفاة و ذهب للعديد من الأطباء لكنهم لم يكتشفوا إصابته بأى مرض مما جعله يذهب إلى عراف ! حيث فاجأه بكلمات صادمة فقد أخبره بأنه سيُصاب بمرض خطير سينهى حياته و كانت لتلك الصدمة تأثيرها الخطير عليه حيث عاش سنوات و هو متأثر بها رافضاً نصائح كل من حوله بعدم تصديق هذه الخرافات إلى أن اشتدت عليه الآلام ذات يوم فقرر أن يذهب إلى الطبيب الذى اكتشف الأخير إصابته بمرض سرطان المعدة إلا أن الهنيدى لم يستسلم و استمر فى عطائه الفنى و قدم مسرحية “عائلة سعيدة جدا ” عام 1985م و هى آخر أعماله المسرحية و استمر يقدمها حتى العام التالى و بعدها بشُهورٍ قليلة توفى مُتأثرا بمرضه فى 3 / 7 / ‏1986م عن عُمرٍ يُناهز على الـ 61 عاماً فور انتهائه من تصوير آخر أفلامه “القطار” و لأنه عانى من الديون لم تتمكن أسرته من استخراج تصاريح تسلم الجثمان من المُستشفى و دفنه لحين دفع مبلغ ألفى جنيه و تخلت النقابة عنه تماماً ! برغم توسل زوجته المرير و التى فى النهاية لم تجد سوى وحش الشاشة الفنان الكبير ” فريد شوقى ” كى تستغيث به ليتوسط لها فى النقابة ! و لكن شوقى رفض أن يتوسط و قرر أن يتحمل بمُفرده مصارف المُستشفى و الجنازة و الدفن ليرحل صانع البهجة جسداً فقط و يظل حياً بفنه و أعماله الكوميدية الجميلة الخالدة إلى يوم يُبعثون .. رحم الله أمين الهنيدى و تجاوز عن سيئاته و أسكنه فسيح جناته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى