ثقافة وفنون

كفيفٌ .. ونخلةٌ .. ودبابةْ … للأديب : سعدي عبد الكريم

كفيفٌ …
يصلي الفجر
تحت ظلّ نخلة
كان قد زرعها منذ عشرين عاماً
كانت تُظللّهُ
من ضيّم الذكريات
والثورات …
والحروب …
نسج سجادة صلاته
من سعف النخلة
فاحترق !…
غريبة هي رائحة النار
كمثل الخطيئة
والخديعة،
كليل حاصره النهار
وكالحب من طرف واحد !
كلفافة تبغ تشتهي أن ينفث دخانها
جندي محاصر في ملجأه
أو فارس محاصر
داخل قلعة مسورة بالخراب
.. غريب هو الكفيف
غريبة هي النخلة
بعيد هو الوطن !

……

كان الكفيف
يجسُ بأصابعه ملمس الريح
وبالعصا يهش على نفسه
وبإطراف عباءة المتهرئة
يتحسسُ حرارة جرحه النازف للتوّ
كان بحلم بقبلة عذرية
من شفاه الحبيبة
ينزلق من رضابها زبد من ولهٍ
ومن رحيق يشبه اشتعال جهنم
ونار الحميم
كان الكفيف قد صلى ليلتين
وصام ليلتين
ونام ليلتين
وقام ليلتين
وحين استلقى على سجادته
المنسوجة من سعف النخلة
مات الكفيف !…
بدبابة قادمة من جهة الغرب
عبرت على جسده النحيل
وهو في غفوة حلمٍ
مسكين هو الكفيف
مسكين هو البَصير
والمُبصر …!
مسكينة قطرات العرق
الهابطة من جباه الكادحين
وتعب المستضعفين
مسكين هو الفقر
غريب هو الشعر
قريب هو المطر
ملعون ضيم الفقراء
ولوعة الصعاليك
ونزق الطغاة
آه …..
يا أيها الوطن المتخم بسعف النخل المحترق
والجدران البيضاء
التي غيرت لونها الحروب
وحرقة القلوب
آه .. يا هذا الوطن
الموغل بوحل الشظايا !…
والموت !…
والدم !…
.. جميلٌ هو الكفيف
المسجى على سجادته
شهيداً !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى