كتاب وشعراء

وحدي أنا.! ……… بقلم // وثيق القاضي

وحدي أنا.!

في زاوية سوداء أجلسُ بِمرافقة نبضات قلبي، شارد الذهن، كثيف التفكير والوجع، أبحثُ عن صديق، عن رفيق، عن حبيب لكن لا أجدُ شيء مما ذكرت، أقبضُ جوالي المُهشم كأرض هذا الوطن، شاشته مُخزقة كمنزلٍ خزقته قذائف الدبابات، أمررُ أصابعي كما لو أنني عازف يرقصُ بِأصابعه البيانو، حَطت اصبعي البنصر فوق أُغنية للحارثي تُسمى ” رد السلام ” أرفعُ مُكبر الصوت عالياً ثم أصرخُ هأنذا قد لقيتُ صديق يواسيني ويؤنس وحدتي،

يبدأ العزف ورنين الوتر فتعزف روحي ويرقص قلبي رقصة رقصة، يسرح خيالي الى البعيد، تذكرت الأيام الجميلة قبل الحرب، أيام لذيذة عندما كانت الموسيقى تصدح من كل شارعٍ ومنزلٍ وحارة، تجولتُ أزقة صنعاء وشريتُ عُلب البخور من شارع حدة وصليتُ في الجامع الكبير صلاة ممتلئة بالخشوع والدموع .

تركتُ صنعاء وشديت الرحال نحو تعز، جلست ليلاً في قلعة القاهرة وعينيّ يتلذذن بالنظر لأضويئة شوارع الحالمة ومن شارع جمال أتى إلي صوت أيوب بنسماتٍ سبتمبرية باردة،أهجر تعز، أودعها بِقصيدة وهمسة وقُبلة ووجهت قلبي نحو مدينة الله الخضراء إب أستنشقت الهواء النقيء من أعلى جبل ربي وجِبال بعدان وجلست تحت شلال المشنة، وأحتضنت قَصر أروى المَلكة ثم تجولت كل شبرٍ كان نقيٍ في هذه البُقعة التي تدعى يَمن.

تتواصل الأغنية وفَمي يردد النبرات اللواتي يخرجن من فَم الحارثي نَبرة نَبرة، أتسلل إلى جسدي وأنتزع قلبي ثم أرمي به إلى الأرض وهُناك أراهُ يرقص مع كل دقة للفنان الراحل، الأن الحارثي يسكن في جواري، في قلبي، في حدقات عيني، هاهو يواسيني ومن الحرب يطهرني ومن التُراب يغسلني ومن الوجع يداويني ويَسدُ جميع الثقوب في أجزائي .

تنتهي الأُغنية فيصمت الحارثي ويغادر الحياة من جديد فتذكرتُ كيف صَرخ أفراد عائلته من الفجيعة نتيجة رحيل حَبيبهم، تذكرت كل الدموع اللواتي ذُرفت من كل عينٍ بريئة، تذكرت فَزع الأطفال من شدة الخوف، خوف وداع جَدهم البشوش، ثم لِوهلة رأيتُ ثلاثة أشخاص يحملون جُثة الفنان الى المغسلة، طرحوا جسده على السرير، غَسلوا جميع أجزاؤه بِتفنن كي يذهب طاهراً إلى المقبرة لِمقابلة شخصين في منزلٍ مُعتمٍ يُسمى قَبر،

لَفوا عليه قِطعة قُماش ترمز للسلام وسكبوا زجاجة عطرٍ جميلة، عطرٍ من الرائحة التي يحبها النبي مُحمد، وضعوا جسد الراحل بين سريرٍ يسمى النَعش،أدخلوه بيته الأبدي وحيداً كما أتى لهذا الكوكب، أغلقوا منزله بالحِجارة والتُراب والطين وقليلٍ من الإسمنت ثم كتبوا بالخط العريض هُنا ضريح الفنان الإنسان الذي أدخل الفرح والحُب لِقلوب التُعساء والفقراء والتائهين واليائسين وأنا ما زلتُ شارد الذِهن أسرحُ بِخيالي وأتذكر مُنكر ونكير والأسئلة وفي يديهم مطرقة من حديد، أسبحُ في بحرٍ غزيرٍ بالوجع، تقذف بي الأمواج هُنا وهُناك، ألعبُ بأصابعي وأحركُ دِماغي فخرجتُ منتصراً ثم ربحت المعركة فكانت الغنيمة هذا النص .!

وثيق القاضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى