رؤى ومقالات

د . رضا محمد طه يكتب : شمولية الحب والرحمة !

“أخي الطير وأخي الشجر واخي الوحش” كلمات قالها أحد الفلاسفة لما وجد من قربي وروابط مشتركة تربطه بتلك الكائنات ألا وهي “سر الحياة” التي أوجدها الله تعالي فيها. كل الأديان حضت علي الرحمة والتراحم بين البشر بعضهم وشمولها الكائنات الحية جميعاً، وتُعتبر الرحمة من أجمل الأشياء في حياة الإنسان وفي المقابل فإن القسوة والبطش التي في غير موضعها هي من أسوأ الصفات لذلك وصف الله تعالي قسوة قلوب البعض قائلاً “فهي كالحجارة أو أشد قسوة”.

الامثلة كثيرة علي الرحماء الطيبين، سيدة في العقد الخامس من عمرها-تقريباً-يومياً بصورة لا تنقطع أراها في السادسة صباحاً تنزل من العمارة التي تسكن فيها بشارع الدقي تحمل صينية عليها طعام خاص بالقطط والكلاب الموجوة بالشارع وتقوم بإطعامهم حيث ينتظرون مجيئها كل في مكانه من أول الشارع الي مكان منزلها، تخلتط القطط مع الكلاب بإنسجام عجيب دونما شجار كما هو مألوف حيث يبدو أن شحنة الرحمة والحب بهذه المرأة غمرتهم، بعض الذين يسيرون في هذا الشارع في هذا الوقت يعرفونها  يشكرونها ويقومون بتحيتها، في أحد الأيام وأنا في طريقي للجامعة أشار بعضهم إليها وأخبرني أنها طبيبة صيدلانية وأبناءها أيضاً أطباء ومتزوجون بالخارج، ونظراً لسعة الوقت لديها فقد قامت وهي وآخرون بعمل جمعية ترعي الحيوانات الضالة. وحتي لا يقفز البعض بالقول المألوف وهو أنه يوجد فقراء بيننا يستحقون ذلك الإهتمام، فهي أيضاً حريصة علي رعاية بعض الأسر الفقيرة بشكل دائم لا ينقطع.

من المفارقات أنه قد حدث في إحدي الأيام  ونظراً لمرض أصاب هذه السيدة مما جعلها تتأخر عن موعدها اليومي فما كان من بعض القطط إلا أن صعدت ووقفت امام شقتها في إنتظار خروجها، وأثناء ذلك اخرجت إحداها فضلاتها أمام شقة جيران السيدة، وحينما خرج الجيران ووجدوا ذلك أسرعوا الي قسم الشرطة وحرروا محضراً للسيدة لكن الضابط المحترم تفهم موقف السيدة وإستطاع إقناع الجيران بالتنازل عن المحضر بشرط عدم تكرار هذا الموقف.

الرحمة الحقيقية لا تتجزأ بمعني أنها شاملة، فمن يعطف أويحب أخيه الإنسان قريب له كان أو جار أو في صورة  وحتي وإن إختلف معه في المعتقد أو المنزلة الإجتماعية أو الجنس أو اللون، سوف تسري تلك الرحمة علي باقي المخلوقات، فما بالنا نحن نعيش معاً مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات قد يقتل بعضنا بعضاً أونتآمر أونخون بعضنا، والمرارة التي يعانيها الإنسان حينما تصدر القسوة وتبلد وتحجر المشاعر ونكران الجميل من الأقارب أو أبناء البلد الواحد الأمر الذي جعل بعض الناس يقول القول المعروف “أحسنت إلي الشجر فأثمر وأحسنت إلي البشر فأنكر”. أو الآخرالذي يصف بلادة المشاعر وغياب الضمير الإنساني عندهم فقال “إني لأري كثراً من الناس-إن لم يكن معظمهم-ضرباً من الجثث المحنطة، لقد غادرتهم الحياة، ولكن مع ذلك لا أري اجسادهم تتآكل وتتحلل، إنهم لا يزالون يحتفظون بصورة الأحياء ولست أدري أين الملح الذي ينجيهم من التحلل ويمنع عنهم الدود؟! ويضيف قائلاً عن الفئة المقابلة لهؤلاء من الرحماء طيبي القلوب”إن من الأجساد ما يسلم من الفساد بعد الموت والدفن، فإن نبشت قبورهم بعد أعوام من الموت ألفيت أجسادهم طرية كانها ماتت بالأمس”.

إن أردت أن يلين قلبك فعليك كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم بإطعام المسكين والمسح علي رأس اليتيم، أيضاً وحتي يكون إيمانك بالرسول حقيقي يجب ألا تبيت شبعان وأنت تعلم أن جارك جائع. ونصحنا الرسول بالرحمة بعموم المخلوقات في الأرض حيث قال “…….إرحموا من في الأرض يرحمكم من السماء” وإخبارنا أن إمرأة دخلت النار في قطة حيث أنها حبستها لا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض، وفي المقابل دخل رجل الجنة لسقايته كلب كاد أن يهلك من العطش”.

أحد الرؤساء السابقين في أمريكا كان يتحدث مع بعض مستشاريه حول شخص ما سوف يُسند له منصب مهم فقال لهم أخبروني عن كيفية تعامله مع القطة او الكلب في منزله أقل لكم كم هو إنسان ويستحق هذا المنصب. ولأن الرحمة حينما تصدر من إنسان لمخلوق آخر لا ننتظر منه المقابل هي الرحمة والقلب الغني بالحب الخالص. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى