تقارير وتحقيقات

الإفلات من العقاب سياسية ممنهجة في اليمن

المصدر :كارينجي للأبحاث
منذ بداية الحرب في اليمن في العام 2014 تصاعدت بشكل مضطرد الانتهاكات ضد الصحفيين. ونتيجة لإفلات الجناة من العقاب بشكل مستمر زاد التضييق على حرية التعبير.

في 21 كانون الأول/ديسمبر 2016 شهد الوَسَط الصحفي اليمني مقتل محمد عبده العبسي الذي مات مسمومًا بغاز أول أكسيد الكربون. وفقا لتقرير الطبيب الشرعي كانت الوفاة ناتجة عن استنشاق العبسي جرعة من مادة الكاربوكسي هيموغلوبين. وبعد سبع سنوات من مقتل الصحفي الاستقصائي العبسيلاتزالالنيابة العامة تخفي كل الأدلة ضد المتسببين، التي أخفت ملف القضية، وحاولت تسجليها ضد مجهول ما يعكس الواقع الصعب الذي يواجه الصحفيين في اليمن.

تصاعد معدل التهديدات ضد سلامة الصحفيين منذ بداية الحرب في عام 2014. حيث زاد التضييق الممنهج على حرية التعبير نتيجةً لإفلات الجناة من العقاب، ولم يكن محمد العبسي إلا واحدا من بين 63 صحفيًا فقدوا حياتهم دون أن يحاسب الجناة أو يعاقبوا بحسب تقرير المنظمة الوطنية للإعلامييناليمنيين صدى.

عدالة معطلة

أسهم ضعف النظام القضائي وهشاشة التشريعات وتراخي السلطة القضائية وتداخل الولاءات في تعطيل تطبيق العدالة، وتسبب ذلك كله في وضع اليمن في أسفل القائمة فيما يتعلق بحرية التعبير وحماية الصحفيين وفقا لمؤشر صحفيين بلا حدود حيث احتل اليمن الترتيب 168 من 180 دولة في العام 2023.

تظهر تقارير أن أطراف الصراع استغلّت القضاء لترهيب الصحفيين، إما بالاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري، أو بتعمد إهمال قضاياهم أمام القضاء. فقد وثقت نقابة الصحفيين اليمنيين 82 اعتداء خلال العام المنصرم. 21 في المئة منها حالات احتجاز للصحفيين و14 في المئة من الحالات كانت محاكمات لصحفيين واستدعاءات، و4 في المئة كانت مضايقات بدعوى رفض الصحفيين تنفيذ أوامر القضاء. يتخذ المتورطون في التضييق على الصحفيين القضاء أداةً لتقويض حرية التعبير من خلال المماطلة في البت بالأحكام أو في عدم عقد المحاكمة أساسا، كما أورد بيان منظمة العفو الدولية.

حصانة بالقوة

تشير تقارير حقوقية أن القوى التي تمتلك السلاح والسياسة تعزز إفلات الجناة من العقاب بل وتحميهم من توجيه الاتهامات إليهم، في هذا السياق، أكد رئيس مرصـد الحريـات الإعلامية مصطفى نصر[1] أن إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب يعود لصعوبة معاقبتهم في ظل حالة حرب التي يرزح تحتها اليمن. أشار إلى خلل في المنظومة العدلية التي تقتضي أن تقوم الجهات الأمنية والقضائية بأداء دورها في التحقيق في قضايا الانتهاكات ومحاسبة المتورطين فيها.

يضيف نصر أنه من المؤسف استخدام القضاء في حالات كثيرة ضد الصحفيين، حيث صدرت أحكام بالإعدام ضد صحفيين تم اعتقالهم في قضايا رأي، كما تمت محاكمة عديد الصحفيين في محاكم خاصة. حدث ذلك رغم أن الدستور والقانون يكفلان حرية الرأي. لقد حولت القوى المنتهكة للقانون القضاء إلى أداة بيد السلطة العسكرية أو السياسية، وهذا يمثل اعتداء خطيرا على الحقوق الدستورية والقانونية.

الترهيب أداة ضد الصحفيين

يعد الترهيب سلاحاً لإسكات الأهالي عن المطالبة بالعدالة، قالت الصحفية قبول العبسي[2]، شقيقة الصحفي محمد العبسي، والمديرة التنفيذية لمؤسسة قرار إنها خضعت لضغوط وترهيب من قبل السلطات ووصلت التهديدات حد التصفية، وتهم التخوين والتعامل مع مخابرات أجنبية؛ ما اضطرني لمغادرة البلد بعد أن وصلتني صنوف شتى من الترهيب إن استمررت في محاولاتي في المطالبة بالكشف عن الجناة الذين قتلوا أخي. تضيف قبول بأن هذا الخوف الذي يصنعه المفلتون من العقاب يمنع الضحايا والشهود من الإدلاء بشهادتهم ما يعوق سير العدالة الغائبة أصلا.

شهدت مناطق سيطرة الحكومة، المعترف بها، حملات اعتقالات ومضايقات ضد الصحفيين والنشطاء، من قبل قوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي من تعز، وفي 20 تشرين الأول/أكتوبر العام الجاري استدعت مباحث الأموال العامة التابعة للحكومة في محافظة تعز وجدي السالمي[3] المدير التنفيذي لمنظمة فري ميديا الذي أكد أن الخوف من الانتقام يمنع العديد من الصحفيين عن تقديم شكاوى، لأنهم يتعرضون إلى تهديدات صريحة، ما يؤثر بشكل كبير على عملهم نتيجة لتغطيتهم قضايا حساسة. قال السالمي: “تعرضت لمساءلة قانونية، بينما تعرض بعض الزملاء للاعتداء الجسدي، ولحملات تشويه سمعتهم، ولتهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهذا يسبب ضغطًا نفسيًا علينا ويعرقل عملنا الصحفي”.

يبدو، في ظل ما يمر به البلد المثخن بالأزمات، أن المناخ العام للصحفيين لن يتحسن ما لم تستقل الصحافة والعاملين بها عن حسابات أطرف الصراع، وينبغي احترام حقوق الإنسان في إطار تحقيق العدالة والمصالحة الدائمة، وخلق بيئة ملائمة للعمل الصحفي، واستمرار رصد الانتهاكات والمستوى المتزايد للعنف ضدهم، ولتحقيق ذلك لابد من محاسبة المتورطين في تلك الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين والحد من إفلات الجناة من العقاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى