علي الجنابي يكتب :هَلَّا من ناشرٍ مكينٍ أمينٍ مُتَرَفِّع

لا ريبَ أنَّ أولي الآدابِ نّثراً كانَ، أم كان َشّعراً، هم جِنسٌ مُتَعارِضٌ غيرُ مُتَجَمِّع، وأخُصُّ هنا أولي صَنعةٍ مُحترفٍ، ولن أرُصَّ حرفاً بشأنِ قلمٍ زائفِ مُتَصَدِّع. ذاكَ أنَّ ذوي الصَّنعةِ يا ذا عزّ صِنفانِ، إن رصدتَهم بِتتَبُّع، فصِنفٌ ثقيلٌ قد أَهْرَق قلمُهُ مِدادَ نَظَراتِهِ بين يَدي زعاماتٍ نَكراءَ بِتَخَضُّعٍ وبِتَنَفّع، فتَراهُ مُتَمَتِّعاً ، وفي مُزَرْكَشِ صّالاتِهم يَعرِشُ مُتَفكِّهاً بِتَقَلَّعِ. وصنفٌ نبيلٌ قد أَرَاق قلمُهُ مِدادَ عَبَراتِهِ بين يدي نعاماتٍ غَبراءَ بِتَوَجِّعٍ وبِتَرَجّعٍ، فَتَراهُ مُتَسَكِّعاً، وفي مُكَشْكَش حاناتِهم يَفرِشُ مُتَفجِّعاً بتَوَجُّع، وذلكَ صِنفٌ رفيعُ الدرجةِ أصيلٌ غيرُ مُتَنَفِّع، ولقد ألَّفَ مُؤَلَّفاتٍ مُؤلَّفَةً بإقتدارٍ مُتَطَوِّع، وتَرى الأنامَ لإقتنائِها مابينَ مُتَدَافِعٍ ومُتَبَضِّع، لكنَّ ذا الصَّنعَةِ مالهُ من خلاقٍ في دنانيرَ أولاء الأنامِ إلّا تَبَسُّماً بِتَصَنِّع، وإذ المُؤلِّفُ المسكينُ في مَقهاهُ مابينَ ناظرٍ على الأنامِ من طرفٍ خَفِيٍّ ومُتَسَمِّع، وإذ هو يدعو بتَضَرِّع، أن يَلِجَ المَقهى خليلٌ ثريٌّ مُتَبَرِّعٌ غَيرُ مُتَوَقِّع، لِيؤدِّيَ عنهُ ثمنَ شايٍ إحتَساهُ بتَجَرُّع، ولِسانَ حالهِ يَهجو بغليظِ قولٍ دارَ الطباعةِ والنّشرِ وبتَهَجُّع؛ ” إنّها الطّبعةُ السابعةُ عشر يادار! وما جَنَى رأسيَ من كتابيَ إلّا سِدارةً سوداءَ يَقبَعُ تحتَها بِإفلاسٍ مُتَعَفِّفٍ بِتَمَنُّع.
مَربطُ الفرس يا ذا نُهى؛ يَبحثُ كاتبُ ذي السطورِ عن دارِ طباعةٍ ونشرٍ، شرطَ ألاتُصَيِّرُني بسِدارةٍ سوداءَ مُتَنَطِّعاً بِتَمَنُّع، لِطَبعِ ونَشرِ وتوزيعِ مخطوطةِ كتابيَ اليتيمِ والرَّفيعِ المُتَرَفِّع، أو هكذا أظنُّ بهِ وبتَعَجُّبٍ مُتَعَجِّلٍ مُتَسَرِّع، وعَسى ألّا يَنطَبقَ عليَّ وعلى كتابيَ مثلٌ مَهينٌ بِتَشَبُّع؛ ” القِردُ بعين أمِّهِ غزالٌ وجميلُ الوجنتين بِتَلَمُّع” .
مخطوطتي يا ذا عز من جزئين ومؤطّرٌ عنوانها ؛ ” حواري مع صديقتي النّملة”، بِتَتَبُّعٍ مُبتَهجٍ تارةً، وتارةً مُتَوَهِّجٍ بِتَوَسِّع، ومعطّرٌ بيانها بِبَيانٍ مُتَرَصِّعٍ بَليغٍ غيرِ مُتَكَلِّفٍ بحرفٍ ولا مُتَصَنِّع، بل أظنُّهُ سيُعيدُ مَجْدَي مقاماتِ أخويَّ “الهمداني والحريري” بجدارةٍ ، وإنّي غيرُ مُتَنَطِّع، ورُبَما يكونُ ثالِثهُما وبجميلِ بيانهِ مُتَدَرِّع، بل ويَزيدُ مِن صدى لآلئِ أدبِنا الثريِّ في الآفاق بِتَرَصّعِ مُتَشَفِّع، ويقشَعَ غباراً من غالبِ إدبٍ لنا (متعصرنٍ) مُرَوِّعٍ غَثٍّ مُترَوِّعِ.
(لا أدريَ لمَ لم يزلْ يلازمُني هاجِسُ “القِردُ بعين أمِّهِ غزالٌ” وينازعُني بِتَفَظُّع).
مَخطوطتي يا ذا لُبّ بجُزئينِ من نَظَرَاتٍ بِتَوَّلِعٍ وبعَبَرَاتٍ بِتَضَرِّعِ، قد حَلَّقَتْ لنِصفِ قرنٍ في سَكونٍ غيرِ مُتَجَزِّع، وتألَّقت في عَالَميّ الأولى والآخرةِ وببهيجِ النّفسِ حرفُها مُتَوَرِّع، عِلماً أنَّ ما نُشِرَ منها (؛ أي مقاماتِ نَملتي) في الصُحُفِ العربيةِ إلّا بعضُ خربَشاتٍ أوليةٍ غيرِ مُشَذَّبةٍ ببَنانٍ رَصينٍ سَهلٍ مُتَمَنِّع، ولا مُهَذَّبةٍ ببيانٍ حَصينٍ نَهْلٍ مُتَرَضِّع.
فهلّا من مؤسسةٍ للأمرِ مخطوطتي تتبَنّى ولا عليها لا تتجنّى، بل بها تتهنّى، وهلّا من ناشرٍ لها يتمنّى وبها يتَكَنّى ، لأنَّهُ ناشرٌ مكينٌ أمينٌ رفيعٌ مُتَرَفِّع؟
إحترامي.