د.كمال مغيث يكتب :كتاتيب الرئيس: هل هى العلاج السحرى لمشكلة التعليم؟؟
نشأت الكتاتيب كفعل من أفعال الخير، تأسيا بسنة الرسول “صدقة جارية وعلم ينتفع به”، فقد كان الموسرون من المسلمين الذين يوقفون بعض ممتلكاتهم لفعل الخير كبناء المساجد والأسبلة فكان بعضهم ينصون فى وثيقة وقفهم على إنشاء كًتاب لتحفيظ عدد كذا من الصبيان الأيتام أو الفقراء، وقد ينص على تعليم الفتيات أيضا، ويحدد فى الوثيقة المنهج الدراسى للكتاب تحفيظ القرآن فقط أو تحفيظ القرآن ومبادئ القراءة والكتاب، ومبادئ الحساب، وربما بعض الشعر والادب، وتحدد الوثيقة مكافأة العريف وشروط اختياره كأن يكون دًينا حسن السمعة والخلق مشهود له بالدراية، وقد تتضمن بعض المزايا للأطفال ككسوة للشتاء والصيف0
وإلى جانب تلك الكتاتيب الخيرية والتى كانت غالبا فى المدن الكبرى، ظهرت بعض الكتاتيب الخاصة فى القرى، يقيمها بعض الشيوخ البسطاء لتلبية احتياجات الراغبين من الأهل فى تحفيظ ابنائهم القرآن وتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة، مقابل مبلغ زهيد لا يتجاوز القروش الخمسة أو العشرة، وربما مقابل “ميسانية” أى كيلة من الأرز أو القمح سنويا، وغالبا مايكون مكان الكتاب غرفة مستقلة.. أو أى غرفة فى دار الشيخ، وإذا كان أطفال الكًتاب كثيروا العدد فكان الشيخ يعين عريفا لمساعدتة فى مراجعة حفظ الأطفال للقرآن أو القيام مكانه حين يغيب لبعض شؤونه
وكانت هناك أيضا كتاتيب مسيحية بعضها خيرى ملحقة بالكنائس، وبعضها خاص ينشأها بعض الكًتاب والصيارفة الأقباط، ولم تكن تلك الكتاتيب تمنح شهادات وإنما كان يكفى أن يطمئن الأهل إلى مستوى مابلغه ابنائهم من حفظ للقرآن وإجادة للغة
وفى سنة 1906، وإزاء إصرار دنلوب الإنجليزى على عدم التوسع فى تعليم الفقراء، فإن سعد زغلول إبان وزارته للمعارف قد قرر تقديم مكافأة لكل شيخ كًتاب ينجح فى تعليم الصبية بواقع خمسة قروش عن كل فتى وعشرة قروش عن كل فتاة0
ولقد لعبت تلك الكتاتيب دورا حاسما فى تعليم الصبية، ويندر أن يكون هناك من مفكرى مصر من لم يبدأ حياته بالكًتاب، قبل أن تعرف مصر الدعوة إلى تعميم التعليم ومجانيته، وقبل أن تعرف دور الحضانة0
أما أنا فى بلدتنا الباجور منوفية، فقد التحقت بكًتاب الشيخ فوزى فى البداية، ولكننى انصرفت عنه لانه كان عنيفا قاسيا ينهال بخيرازانته الطويلة على رؤسنا وظهورنا واكتافنا لأتفه الأسباب وأهون الأخطاء، والتحقت بكتاب الشيخ عبد الله عمارة، الذى كان طيبا دمثا كفيفا، وعندما دخلت مدرستى الابتدائية “مدرسة المؤسسة” قضيت عامى الأول فى التردد على المكتبة وقراءة قصص الأطفال فلم أكن بحاجة إلى تعلم “ز ر ع … ح ص د” إذ كنت بفضل الكتاب أجيد تماما القراءة والكتابة
واليوم أنا أعرف مشكلات التعليم فى المدارس وخاصة مايتعلق منها بإجادة القراءة والكتابة من: العجز فى أعداد المعلمين، وفقرهم وانشغالهم بتدبير معايشهم خارج المدرسة، وكثافات الفصول الهائلة، وسياسة النقل الآلى حتى الصف الرابع الابتدائى، والعجز بالتأكيد عن ترسيب نصف مليون طفل مثلا، والمدارس مجبرة على استقبال اتنين ونصف مليون طفل سنويا
ومنذ أيام ناقش الرئيس مع وزير الأوقاف مبادرته لعودة الكتاتيب، ولم تشف وسائل الإعلام غليلنا بتفاصيل أخرى يمكننا من خلالها التعرف على سبب تلك المبادرة، وأهم ملامحها وكيفية تطبيقها، ولذلك فنحن هنا سنطرح بعض الأسئلة التى ينبغى أن تكون أمام الناس وأمام من يتحمسوا لتلك المبادرة
– هل تأت هذه المبادرة لتكون الكتاتيب مجرد دروس إضافية – لمن يرغب – لتقوية التلاميذ فى القراءة والكتابة ومحاولة علاج بعض أوجه قصور التعليم المدرسى، أم إنها ستكون بديلا عن ذلك التعليم المدرسى الذى ينظمه الدستور وقانون التعليم 138 لسنة 1981؟
– وهل سيكون الالتحاق بها إجبارى إلزامى كالمدرسة النظامية؟ وفى هذه الحالة هل ستمنح شهادة الدراسة الإبتدائية؟ وكيف يمكن والحال كذلك التوفيق بين من يتعلموا فى المدرسة ومن يتعلموا فى الكتاب؟
– أم أنها ستكون مجرد مرحلة موازية لمرحلة رياض الأطفال أو k g الحالية؟ لمن يرغب من الآباء؟
– وما هى طبيعة مؤهلات القائمين بالتدريس فى تلك الكتاتيب هل سنكتفى بشيوخ المساجد؟ أو كل من يجيد القراءة والكتابة فقط؟ أم ستشئ وزارة الأوقاف معهدا لإعداد معلمى الكتاتيب؟
– ماهو المقرر الدراسى فى تلك الكتاتيب هل سيكون مجرد تحفيظ القرآن الكريم وتعليم مبادئ القراءة والكتابة والحساب؟ وهل سيناسب هذا أطفال تجيد عشرات من برامج الكمبيوتر والمحمول؟ وهل سيمنح الكتاب شهادة؟
– وهل سيوجه الرئيس بمبادرة موازية لإنشاء الكتاتيب المسيحية مثل الكتاتيب الإسلامية لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص الدستورى؟ وفى هذه الحالة هل ستتولى وزارة الأوقاف إنشاء الكتاتيب المسيحية أيضا؟