صلاح البلك يكتب :الدم والعار أهم من هوية المنتصر

لا يهمني على الإطلاق هوية المنتصر في الحرب على غزة فقد تعرضت القيم الإنسانية لهزيمة نكراء على أيدي السفاحين في كل العواصم التي شاركت في العدوان الغاشم على غزة بنفس القدر من المسؤولية التي يتحملها نتنياهو وصحبه من مجرمي الحرب .
لم يكن القتل أسوأ ما في المشهد لأن الصمت على الجريمة فاق في فداحته كل أفعال الإبادة وما رافقها من تمثيل وادعاء أدوار تسعى لتخفيف وقع الكارثة التي حلت بالتاريخ الإنساني الذي سيتوقف طويلاً متسائلاً عن نوعية من عايش تلك الجرائم واكتفى بالمشاهدة ولم تفزعه تلك الدماء والأرواح التي راحت ..عشرات الآلاف من الأطفال والنساء قتلوا دون ذنب أو جريرة أمامنا على شاشات التلفاز في أكبر مجزرة موثقة بالصوت والصورة.. كان الموت في انتظارهم كل لحظة ..من لم يمت بالقنابل مات من الجوع أو متجمداً من شدة البرد ..كان غموسهم دمهم وكنا مجرد خيالات وأوهام لم تفلح في فعل شيء يذكر لأولئك الضحايا طوال أيام وشهور ..لقد كنا العجز بذاته دوأن نخجل من أنفسنا .
بات الفلسطينيون يدركون أنهم وحدهم بقضيتهم دون سند وسيكملون مسيرة التحرر على هذا النحو ..لا عرب ولا مسلمون ولا أخوة في الإنسانية ..الكل رفع يده واكتفى بالاستنكار والشجب وقليل ممن تظاهر لم يفلح في تغيير الواقع وأظنه لن يفلح لسنوات طويلة قادمة تتسيدها الأيادي الملوثة بدماء ما كان لها أن تسيل لو كانت هناك مواقف تتسم بالقدر الكافي من الإنسانية المطلقة بعيداً عن الانتماء العرقي والديني الذي أثبتت مواقف العرب والمسلمين أنه بلا وجود .
ليس مهما أن تعلق في صدرك صليباً أو تمسك بيدك مصحفاً أو تضع في جيبك توراة أو تلموداً ..المهم أن يكون لديك قليل من الإنسانية تمنعك من القتل المفرط وإهدار الأرواح على هذا النحو غير المسبوق في التاريخ الإنساني .
يعجز العقل عن فهم السلوك الملتبس للولايات المتحدة الأمريكية والغرب المصدر الرئيسي لكل الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل في جرائمها وما تدعيه من ريادتها في مجال حقوق الأنسان وحماية القيم الإنسانية وتلك بلا شك “أكذوبة الدهر” .
الكل خرج من تحت سماء الرب وغادر رحاب الإيمان..الرب أرسل تلك الديانات حفاظاً على الأرواح ولم يجعل بها تبريراً واحداً لما حدث .. يتساوى الفاعل بالمتفرجين وإن تفاوتت نسب المشاركة فيما يمكن أن نطلق عليه “جريمة القرن ” وكل القرون ولن نفلح في محوها عن أنفسنا كوننا عشنا الموقف وعايشناه ومرت أيامنا على نفس النحو ..نأكل ونشرب ونتكاثر فيما يحلق الموت في سماوات يقبع تحتها مليوني فلسطيني لا حول لهم ولا قوة ولا رجاء سوى نخوة ومناشدات لم يكن لها أي صدي عند كل الضمائر الإنسانية التي لقيت حتفها قبلهم وبقيت منها الأجساد تتحرك بلا روح ..عالم يتحدث كثيراً ولا يملك ما يفعله ..عالم من الزيف والخداع لا يعرف الفضيلة .
لست أدري كيف سيكون وقع المفاجأة علي الكثيرين حين يجدون أنفسهم في نفس الخندق مع المعتدين أمام الله..أي عار سيلحق بتاريخهم وأي عوار سيلحق بصلواتهم وحجهم سواء كان إلى “مكة” أو إلى “بيت لحم ” ..الحقيقة أننا تركنا عصابة إسرائيل تقتل الجميع وتغلق المسجد الأقصى وقبله كنيسة القيامة ونحن ندرك أنها الى جانب القتل المفرط والإبادة رفقة صمتنا تمثل ” الجريمة الكاملة ” .