رحلة البحث عن الذات من خلال المعنى في نص ” ” مجرد سؤال ” للشاعرة الهاشمي السعدية بقلم // الناقد سعيد محتال // المغرب

رحلة البحث عن الذات من خلال المعنى
في نص ” مجرد سؤال ”
للشاعرة الهاشمي السعدية
المغرب
مجرد سؤال كعنوان الذي اختارته الشاعرة السعدية هو أول مفتاح للدخول إلى عالم الكلمات وأبعادها الدلالية.
إنه تلك العتبة الأولى التي يتخطاها القارئ للولوج إلى عالم النص. قد تكون جوهر العمل الأدبي، نستشعر من خلاله طبيعة الرحلة التي ترغب الشاعرة في خوضها. بحكم أنه يحمل دلالات رمزية وإيحاءات، تفتح آفاقًا واسعة للتأويل والتفسير.
لماذا “مجرد سؤال”؟
“مجرد سؤال” هو اختيار دقيق وعميق يعكس جوهر النص بشكل رائع. إنه ليس مجرد سؤال عابر، بل هو سؤال وجودي تطرحه الشاعرة على نفسها وعلى القارئ.
عنوان يعكس حالة الشاعرة من التيه والضياع، تبحث عن إجابات لسؤال لا تجد له جوابا قاطعا.
لكن، هل هو سؤال شخصي يخص الشاعرة وحدها؛
أم هو حالة تتساءل من خلاله عن الهوية الضائعة؟؛
أم سؤال عن الهوية؟.
قد يكون السؤال هو: “من أنا؟” وهو سؤال تطرحه الشاعرة على نفسها طوال النص، تتوالد من خلاله عدة أسئلة جانبية؛
* سؤال عن المعنى: قد يكون السؤال هو: “ما هو معنى الحياة؟” وهو سؤال فلسفي عميق يبحث عنه الكثيرون زمن المحن والنكبات التي حلت بالإنسان المعاصر.
* سؤال عن المكان: قد يكون السؤال هو: “أين أنا في هذا العالم؟” وهو سؤال تطرحه الشاعرة في ظل شعور الإنسان المعاصر بالضياع والوحدة.
* سؤال عن الزمن: قد يكون السؤال هو: “ماذا سيحدث لي في المستقبل؟” وهو سؤال يقلق الكثير من الناس.
العلاقة بين العنوان والنص:
يشكل نص ” مجرد سؤال ” رحلة داخلية عميقة للشاعرة، حيث تتجول في دهاليز الوجود والهوية بحثًا عن الذات المفقودة. يبرز من خلال تكرار السؤال “كيف لي” الذي يؤكد على حيرة الشاعرة و بحثها المستمر عن الهوية والمعنى. حيث تسعى الشاعرة جاهدة للعثور على هويتها المفقودة وسط زحام الحياة وضوضائها. إنه بحث عن المعنى والوجود، عن الذات الحقيقية التي تختفي وراء الأقنعة الاجتماعية. وداخل كثافة رمزية وعمق دلالي، مما يجعله يستحق القراءة والتدقيق في أهم رموزه.
أبرز الرموز والدلالات:
استخدمت الشاعرة العديد من الرموز للتعبير عن معانيها الخفية وراء ألفاظ متداولة لدى القراء، مثل:
* الوجه: يمثل الوجه هوية الإنسان، وعندما تنسى الشاعرة ملامح وجهها، فهي بذلك تفقد جزءًا أساسيًا من هويتها.
* المرآة: تعكس المرآة صورة الذات، ولكنها في هذا النص تخون الشاعرة ولا تعكس حقيقتها.
* الحلم: يمثل الحلم الأمل والهروب من الواقع، ولكنه في الوقت نفسه قد يكون وهمًا يبعد الشاعرة عن حقيقة ذاتها.
* الزحام: يرمز الزحام إلى ضوضاء الحياة وضغوطها، تجعل الشاعرة تشعر بالضياع والفقدان.
* القطط الضالة: ترمز القطط الضالة إلى الأشخاص المنبوذين والمهمشين، الذين يشعرون بالوحدة والغربة.
* الأموات: الموت هو نهاية الحياة، ولكن الشاعرة تتمنى الموت كنوع من الهروب من معاناتها كإنسان مشرد وضائع في هذه الحياة. لا يجد من يسانده أو يقف بجانبه.
* كافكا: يرمز معطف كافكا إلى القيود الاجتماعية والنفسية التي يفرضها المجتمع على الفرد.
* الهاوية: ترمز الهاوية إلى المجهول والموت، ولكنها في الوقت نفسه قد تمثل بداية جديدة.
* المدينة: ترمز المدينة إلى المجتمع بكل تعقيداته وصراعاته.
* الأبواب المغلقة: ترمز الأبواب المغلقة إلى رفض الآخرين والتعبير عن الذات.
فقد لعبت الرموز دورًا حيويًا في إغناء النص وتعميق تجربة القراءة، كما تنوعت وظائفها التعبير عن المعاني المجردة والأفكار المعقدة، بالإضافة إلى العواطف المتناقضة التي تجسدها مقاطع النص. حيث ساهمت الرموز في خلق أجواء جمالية في النص، وجعلت القراءة تجربة ممتعة.
فقد شكلت هذه الرموز في مجموعها لغة خاصة استخدمتها الشاعرة للتعبير عن أعماق النفس البشرية، تدعو القارئ إلى اكتشاف المعاني الخفية وراء الكلمات.
الدلالات العامة للنص:
– أزمة الهوية: يعبر النص عن أزمة هوية عميقة تعاني منها الشاعرة / الإنسان المثقف، حيث يشعر المرء بأنه ضائع ومفقود في عالم لا يفهمه.
– البحث عن الذات: تسعى الشاعرة جاهدة للعثور على ذاتها الحقيقية، ولكنها تواجه العديد من العقبات والصعوبات. كما أنها تحاكي وتعبر عن كل من يشعر بالرفض والتهميش من قبل المجتمع، فيدفعه ذلك إلى العزلة والوحدة ” تكرار الكلمات المتعلقة بالوحدة والانعزال ” كلمات مثل “وحدي”، “أشارك الأموات”، “على أرصفة الصمت” كلها تؤكد على شعور الشاعرة بالوحدة والغربة.
لكن هناك رغبة كبيرة في التحرر من قيود المجتمع والتقاليد، والبحث عن الحرية والانطلاق،
من خلال ترديد كلمات مثل “أمشي”، “أطارد”، “أبحث” تعكس حالة الشاعر الدائمة من البحث والتجوال.
– الموت كحلّ: ترى الشاعرة في الموت ملاذًا من آلامها ومعاناتها. ويمثل الموت بالنسبة للشاعرة تحررًا من قيود الحياة، من الضغوط الاجتماعية، ومن البحث المستمر عن الهوية.
إنه هروب من عالم مليء بالضوضاء والصراعات إلى مكان هادئ وساكن.
البعد الرمزي والاجتماعي:
يتميز النص ببعد رمزي قوي، حيث تستخدم الشاعرة رموزا معينة للتعبير عن أفكارها ومشاعرها بشكل غير مباشر. كما يعكس النص قضايا اجتماعية مهمة، مثل أزمة الهوية، والوحدة، والرفض الاجتماعي، مما يجعله عملًا أدبيًا ذا عمق ورسالة.
ليأخذنا النص في نهاية المطاف إلى رحلة صوفية داخلية، حيث تسعى الشاعرة إلى اكتشاف ذاتها الحقيقية والوصول إلى حالة من السلام الداخلي. إنه بحث عن المعنى في عالم مليء بالضوضاء والفوضى، كون الشاعرة لا تبحث فقط عن هويتها، بل تبحث أيضًا عن معنى للحياة. إنها تسأل نفسها عن سبب وجودها، وعن مكانها في هذا العالم. وعن إجابات في كل مكان، في الصمت، في الزحام، في الطبيعة، وفي ذاتها الممتدة إلى كافة هاته الأطراف المتلاشية.
وهذا هو سر احتمائها بتناص ديني مع القرآن والسنة في آخر القصيدة:
” ليلها كنهارها
دهاليز سديم
تتلى فيه الصلاة
اناء الليل وأطراف النهار”
قد تكون الشاعرة تبحث عن معنى للحياة من خلال الرجوع إلى الجذور الدينية والثقافية.
بعدما عبرت أكثر من مرة عن شعورها بالوحدة والضياع في عالم مادي، وكل من أرغم على هذا الوضع
” هناك امثالي أغرموا بالصمت ”
فكان البحث عن ملاذ روحي هو الخيار الأمثل لتجاوز المحن..
فصار الصمت بالنسبة لأمثال الشاعرة رمز للوحدة والانعزال، حيث ارتبط الصمت في النص بشعور الشاعرة بالوحدة والانعزال عن العالم المحيط. فالصمت هنا ليس مجرد غياب للصوت، بل هو حالة نفسية عميقة تعكس شعور الشاعرة بالفراغ والضياع. كما أنه لحظة للتأمل والتفكير العميق في الذات والوجود. إنه فرصة للشاعرة للانغماس في عالمها الداخلي والبحث عن إجابات لأسئلتها
“أرصفة الصمت الباردة”
“أن أكون مجرد أنا”
“دهاليز سديم تتلى فيه الصلاة”
لم يعد الصمت في هذا النص الشعري مجرد غياب للصوت، بل هو حالة وجودية عميقة تعكس حالة الشاعرة النفسية والمعنوية. إنه عنصر أساسي في رحلة الشاعرة نحو اكتشاف الذات. وقد وفر لها مساحة واسعة للتفكير والتأمل في ذاتها، بعيدًا عن ضوضاء العالم الخارجي، يمنحها القوة الكافية للصمود أمام التحديات والصعاب..
الخلاصة:
في نهاية المطاف نحن أمام رحلة داخلية مؤثرة،
يغلب عليها جو من الحزن والقلق، لكن هناك أيضًا أمل خفي في العثور على الذات الحقيقية. مما جعل النص يعكس معاناة الإنسان المعاصر في البحث عن هويته في عالم سريع التغير.
دفع بالشاعرة إلى محاولة استكشاف أعماق نفسها، وطرح أسئلة جوهرية حول الوجود والمعنى، مما يترك للقارئ مساحة واسعة للتأويل والتفسير.
سعيد محتال
المغرب
***مجرد سؤال ***
أين أنا وسط كل هذا الضجيج
كيف لي أن أرسم
ملامح وجهي
التي نسيت
منذ متى لم أنظر في مرآتي
لم أصحح بأقلامي
بأحمر شفاهي
وجهي الغريب عني
اسمع حفيف
خطوات حلم بين الزحام
أتحسس نفسا يوقظ ذاك المدفون بداخلي
أعاود السؤال
مرة تلو الألف
نفس السؤال
كيف لي أن أتبت جذور عمري
أن لاتدوسني أقدام النسيان
فتمحوني
أن أقف وحدي
بين كل إشارات المرور
أن أتسكع
بين كل الشوارع
أن أطارد حلمي
بين القطط الضالة
أن أشارك الأموات
نفس المبيت
على أرصفة الصمت
الباردة
أن انزع عني معطف كافاكا
أن أرتعد
أن أبحث
هنا وهناك
عن بقايا دفء هارب مني
من فوضى العالم
كيف لي أن أملك كل.هذا السكون
حين تنام العيون
أن أولد وحدي
بلا مخاض
بلا صراخ
بلا زغاريد
بلا إسم
بلا لقب
بلا عنوان
بلا ام
بلا أب
أن أكون مجرد أنا
املك الجرأة على الكلام
على الهروب
أن اخلع ثوب الحياء
أن أكون كطفل
أمارس لعبة الكبث
حتى أشبع رغبة الجوع
رغبة الخبز
رغبة عالم
أنساني
من انا من أكون
ان لا ادلي بجواز سفري
المزيف
ان أحرق كل علامات قف
أن اقود بيد واحدة
بعين واحدة
أن أمشي
بخطوات حثيتة
نحو الهاوية
مجردة من كل ثياب الصمت
كيف لي ان ارسم
خطوات حلم بين هذاالزحام
انا ممن حبذوا الهروب
ليلا
حتى لا أوقظ كلاب المدينة
الموجودة خلف الأسوار
خلف كل نظرة حزن
تزهر في عين اليتامى
اطرق. كل الأبواب المغلقة
حتى لاينتابني الخوف
حتى أبدد صمتي
بقرع الفراغ
حتى اعرف اني ليس الوحيدة
هناك
هناك امثالي أغرموا بالصمت
انتبذوا من زواياه محرابا
أيامه متشابهة
ليلها كنهارها
دهاليز سديم
تتلى فيه الصلاة
اناء الليل وأطراف النهار
الهاشمي السعدية