درويش شاعر اللغة….بقلم محمد الزين أعل
شعر محمود درويش ليس مجرد قصائد تُقرأ، بل هو عوالم تُعاش، وفضاءات واسعة تنبض بالجمال والدهشة والعمق الإنساني. إنه شاعر استطاع أن يحول التجربة الفردية إلى تجربة كونية، وأن يجعل من معاناة شعبه مرآةً تعكس هموم الإنسانية جمعاء. في قصائده، يلتقي الحزن بالجمال، والمنفى بالحنين، والحب بالوطن، في مزيج ساحر يجعل قارئه يحلق في آفاق من التأمل والتجربة الشعورية العميقة.
روعة شعر درويش تكمن في تلك القدرة العجيبة على تحويل التفاصيل اليومية البسيطة إلى مشاهد مفعمة بالرمزية والإيحاء، كأنما يرسم بالكلمات لوحات تنبض بالحياة. فهو يصوغ صوره الشعرية برهافة تجعل الأشياء المألوفة تبدو جديدة تمامًا، كأنه يمنح اللغة روحًا أخرى تخرجها من حدود المعنى المباشر إلى فضاءات لا حدود لها من التأويل والجمال.
إنه شاعر الحب والهوية بامتياز، ففي قصائده نجد حب الأرض يتداخل مع حب الإنسان، ويصبح الوطن كائنًا حيًا يتحدث ويتنفس ويعشق، مما يجعل القارئ يشعر بانتماء وجداني عميق إلى تلك العوالم التي يرسمها درويش بعذوبة لا نظير لها.
أما إيقاع شعره، فهو سيمفونية متكاملة، تجمع بين الرقة والقوة، بين الانسيابية والتكثيف، مما يمنح قصائده طابعًا موسيقيًا يأسر الروح قبل العقل. لغته تنساب كالنهر، شفافة وعميقة في آن واحد، محملة بصور أخاذة واستعارات تلامس القلب قبل الفكر.
إن محمود درويش لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتًا لأمة، وروحًا متوهجة تبحث عن الحقيقة والجمال في عالم يضج بالتناقضات. استطاع أن يجعل من الشعر وطنًا لكل من يبحث عن المعنى في الحياة، وكل من يشعر بأن الحب والمقاومة وجهان لعملة واحدة.
وهكذا، فإن شعر درويش يظل علامة فارقة في مسيرة الأدب العربي، بما يحمله من عمق فكري، وجمال فني، ورؤية إنسانية تجعل منه شاعرًا خالدًا في وجدان كل من يقرأه.