رؤي ومقالات

وحيد عيادة.يكتب: الضرب في الميت حرام!

متى يصبح الاعتراف بالواقع ضرورة؟
في مختلف جوانب الحياة، سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي أو حتى على نطاق الدول، تظهر أحيانًا مشكلات لا تحتمل الجدل أو التأويل، ورغم وضوح الحلول، يصر البعض على الإنكار والتشبث بأوهام فقدت قيمتها منذ زمن. هنا تبرز “نظرية الحصان الميت” (Dead Horse Theory)، التي تعكس كيف يمكن أن يصبح التمسك بما انتهى بالفعل مضيعة للوقت والموارد، بدلًا من مواجهة الواقع واتخاذ قرارات حاسمة.

ماذا تعني نظرية الحصان الميت؟
تقوم النظرية على مبدأ بسيط: عندما تكتشف أنك تركب حصانًا ميتًا، فإن الخيار العقلاني هو النزول عنه والبحث عن بديل. لكن في كثير من الأحيان، يرفض البعض الاعتراف بالحقيقة، ويلجأ إلى حلول عبثية للحفاظ على ما انتهت صلاحيته، مثل:

* تغيير السرج أو شراء علف جديد للحصان.
* استبدال الفارس أو إعادة هيكلة إدارة الحصان.
* عقد اجتماعات ودراسات مكلفة لتحليل أسباب موته.
* إعادة تعريف مفهوم “الميت” في محاولة لإقناع النفس بأنه لا يزال قادرًا على الحركة!
هذه الإجراءات ليست سوى محاولات للهروب من الواقع، تستهلك الموارد دون جدوى، وتؤخر حلولًا كان يمكن أن تكون أكثر فاعلية لو تم اتخاذها في الوقت المناسب.

“الضرب في الميت حرام”..
يعكس المثل الشعبي المصري الشهير “الضرب في الميت حرام” جوهر هذه النظرية، إذ يؤكد أن الإصرار على إحياء ما انتهى ليس فقط عديم الجدوى، بل قد يكون عبئًا يعوق التقدم. فالتشبث بأنظمة أو أفكار أو حتى قادة أثبتوا فشلهم، لا يؤدي إلا إلى هدر الطاقات وتعطيل التطور الطبيعي للمجتمعات والمؤسسات.

التاريخ يثبت صحة النظرية: من عمر بن الخطاب إلى سقوط الاتحاد السوفيتي..
حين اجتاحت المجاعة المدينة المنورة خلال عام الرمادة، أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن الأساليب التقليدية في توزيع الموارد لم تعد كافية لإنقاذ الناس. لم يتمسك بالنظم الاقتصادية السائدة حينها، بل أوقف فرض الزكاة مؤقتًا وأمر بتوزيع الطعام مجانًا، في خطوة تعكس القدرة على التكيف بدلًا من الإصرار على حلول ثبت فشلها.

علي عكس مرونة سيدنا عمر لتخطي الأزمات بدلا من الإنكار الذي كان سببا مباشرا في الانهيار كما حدث في سقوط الاتحاد السوفيتي
في العصر الحديث ، حيث يعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 أحد أبرز الأمثلة على نتائج إنكار الواقع. رغم الإشارات المتزايدة إلى ضرورة التغيير، تمسكت القيادة السوفيتية بنظام اقتصادي وسياسي لم يعد صالحًا، مما أدى في النهاية إلى انهيار الاتحاد بالكامل. لو تم اتخاذ إصلاحات جذرية في الوقت المناسب، ربما كان مصير الاتحاد مختلفًا.

حتى الدراما تؤكد: من لا يدرك التغيير يخسر كل شيء
تناولت السينما هذا المفهوم في العديد من الأعمال، ولعل أبرزها فيلم “The Godfather” (العراب)، حيث جسدت شخصية مايكل كورليوني كيف يمكن للتمسك بالماضي رغم تغير الظروف أن يؤدي إلى السقوط المدوي. رفض مايكل الاعتراف بأن الزمن قد تغير، وحاول الحفاظ على إرث العائلة الإجرامي، لكن النتيجة كانت خسارته لكل شيء، بما في ذلك أسرته، مما يثبت أن التمسك بما انتهى لم يكن سوى طريق مسدود.

متى يجب أن ننزل عن الحصان؟
التشبث بما لم يعد مجديًا لا يؤدي إلا إلى تعطيل التقدم وإهدار الفرص. الذكاء الحقيقي يكمن في معرفة متى يجب أن نتوقف، ومتى يجب أن نبدأ من جديد. سواء على المستوى الشخصي، المهني، أو حتى على مستوى الدول، فإن إدراك الوقت المناسب للانسحاب من وضع غير قابل للإصلاح ليس ضعفًا، بل قمة الحكمة والبصيرة.
هل نجد آذانا صاغية ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى