رؤي ومقالات

وحيد عيادة يكتب : مؤامرة المكرونة !

لطالما سمعنا عن فضائل الصمت، وأنه سلاح الأذكياء، ودرع الحكماء، وترس العظماء. لكن دعونا نعترف: الصمت ليس مجرد امتناع عن الكلام، بل هو فنٌ راقٍ يحتاج إلى تدريب مكثف، وإلى قدرة خارقة على كبح جماح اللسان عندما يريد أن يندفع كحصان جامح في ساحة الجدال العقيم. فالصمت، أيها السادة، ليس للضعفاء، بل للأقوياء الذين يملكون الكلمات ولكنهم يختارون ألا يهدرونها على من لا يستحق.

الصمت في مواجهة الحمقى: معركة الكرامة ضد الضجيج

تخيل معي هذا المشهد: أنت جالس في اجتماع عمل، أو ربما في لقاء عائلي، وفجأة يبدأ أحدهم بالحديث عن نظرية المؤامرة التي تربط بين شكل المكرونة وحكومة العالم الخفية. هنا، أمامك خياران: إما أن تنغمس في النقاش وتشرح له بالتفصيل كيف أن المكرونة ليست سوى طعام لذيذ وليست أداة للسيطرة على العالم، أو أن تختار الصمت الراقي.

الصمت هنا ليس هروبًا، بل هو انتصار. انتصار على رغبتك في إثبات أنك على حق، وانتصار على محاولاتهم جرّك إلى مستنقع الجدال الذي لا طائل منه. فأنت تعلم أنك لو فتحت فمك، ستكون كمن يحاول تعليم السمك كيفية تسلق الأشجار. فبعض العقول، للأسف، مصممة على أن تبقى في قاع بحر الجهل، ولا فائدة من محاولة إنقاذها.

الصمت هو الكلمة الأقوى التي لم تُنطق

يقولون إن الكلمة الطيبة صدقة، ولكنني أقول إن الصمت في بعض الأحيان هو أعظم صدقة تقدمها لنفسك. فلماذا تهدر طاقتك في شرح ما هو واضح لمن يصر على أن يكون أعمى؟ لماذا تُجهد نفسك في محاولة إقناع من يرفض أن يقتنع؟ الصمت هنا هو رسالة قوية تقول: “لن أهبط إلى مستواك، لأنني أعرف قيمتي.”

الصمت هو تلك الكلمة الأقوى التي لم تُنطق، وهو ذلك الردّ الأذكى الذي لم يُسمع. فهو يعطي انطباعًا بأنك تملك من الحكمة ما يكفي لتدرك أن بعض المعارك لا تستحق أن تخوضها، وأن بعض الحوارات أشبه بمحاولة لعب الشطرنج مع حمامة: بغض النظر عن حركاتك، ستقلب اللوحة وتنثر القطع وتنطلق في الهواء وكأنها فازت!

الصمت هو فن الانتصار بلا قتال

في عالم مليء بالضجيج، حيث الجميع يصرخ لإثبات وجوده، يكون الصمت هو ذلك الصوت الهادئ الذي يعلو فوق كل الأصوات. الصمت هو فن الانتصار بلا قتال، هو أن تقول: “أنا أعرف أنني على حق، ولست بحاجة إلى إثبات ذلك لك.” الصمت هو أن ترتدي عباءة الكرامة وتترك الآخرين يرقصون في دائرة الحمق وهم يعتقدون أنهم يربحون المعركة.

فهل تعرف ما هو أسوأ من الجدال مع شخص غبي؟ أن ينزل الشخص الذكي إلى مستواه ويبدأ في الجدال معه. هنا يفقد الذكي ذكاءه، ويخسر الراقي رقيه. لذلك، فإن الصمت هو الحل الأمثل: أن تبتسم برقيّ، وتتركهم يظنون أنهم انتصروا، بينما أنت تعلم أنك لم تخسر شيئًا سوى دقائق من وقتك لو خضت في النقاش.

الصمت هو العزّة التي لا تحتاج إلى إثبات

في النهاية، الصمت ليس ضعفًا، بل هو قوة خفية. هو عزّة نفس لا تحتاج إلى إثبات، وهيبة لا تحتاج إلى كلمات. الصمت هو أن تقول: “أنا أعرف قيمتي، ولن أهدرها في معارك لا تستحق.” فهو كالماء الهادئ الذي ينساب بهدوء، بينما الآخرون يصرخون كالأمواج العاتية التي تتحطم على الصخور.

لذا، في المرة القادمة التي تجد نفسك في موقف لا يستحق كلماتك، تذكر: الصمت هو سلاحك الراقي. أغلق أبواب الحديث، واحتفظ بكلماتك لمن يستحقها، واترك الحمقى يصرخون في فراغهم. ففي النهاية، كما يقول المثل: “إذا كان الكلام من فضة، فالصمت من ذهب.” وأنت، بالطبع، تستحق الذهب.
فاختر صمتك، وانتصر برقيك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى