رؤي ومقالات

وحيد عيادة يكتب : العودة إلي الجنة !

قشعريرة النصر الذي لم يتوقعه أحد :-
لم يكن مشهدًا عاديًا. لم تكن مجرد عودة لاجئين إلى أرضهم. كان صوتًا دوّى في الأرض والسماء، صوتًا جعل الجبال ترتجف، وجعل القلوب تتسارع نبضاتها حتى كادت تنفجر من رهبة المشهد.

“الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد!”

كان مليون فلسطيني يسيرون وسط الرماد، وسط الدمار، وسط بقايا البيوت التي كانت يومًا ما منازلهم.. لكنهم لم يعودوا إليها بالبكاء، بل عادوا بالتكبير، عادوا كأنهم جيش خرج لتوّه من معركة فاصلة وانتصر.
“الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد!”

شعرت بقشعريرة تسري في كل ذرة من جسدي، كأن روحي انتفضت.. كأنني أشهد لحظة من لحظات التاريخ التي لا تتكرر. لم تكن مجرد تكبيرات، كانت زلزالًا، كانت إعلانًا للعالم أن غزة لم تمت، وأن العودة إلى البيوت أجمل من البيوت نفسها.
“الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد!”

حين تحوّل الدمار إلى بداية جديدة :-
أهل غزة لم يعودوا إلى منازلهم، لأن المنازل لم تعد موجودة.. عادوا إلى الأطلال، إلى الشوارع التي مُحيت، إلى الأزقة التي لم يبقَ منها سوى أسماء محفورة في الذاكرة.

لكن هل بدوا ضعفاء؟ مهزومين؟ مستسلمين؟

كلا..
كانوا يسيرون بين الركام بنفس الثبات الذي سار به أجدادهم من قبل، بنفس العزيمة التي لا تضعفها حرب، بنفس الإيمان الذي جعلهم يرفعون رؤوسهم رغم أن السماء لم تعد تغطيها إلا سحب الدخان.

وقف شاب أمام بيته الذي لم يعد سوى جدار مائل وسقف محطم، ابتسم رغم كل شيء وقال: “مش مهم البيت.. المهم إننا رجعنا”.

تكبيرات هزّت الاحتلال.. وأيقظت العالم :-
في تل أبيب، كان الاحتلال يشاهد هذا المشهد بصدمة لم يستطع إخفاءها.. كيف يعود هؤلاء؟ كيف لم تكسرهم الحرب؟ كيف لم يخفهم القصف والموت والدمار؟

لكن الإجابة كانت واضحة: لأنهم أصحاب الأرض.. لأنهم لم يخرجوا منها بإرادتهم، ولم يتركوا مفاتيح بيوتهم بإذعان، ولم يصدقوا للحظة أن الاحتلال يمكن أن يكون قدرًا دائمًا.
“الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد!”

على الجانب الآخر، كانت العواصم العالمية تشاهد ما يحدث، وكان الإعلام الغربي الذي لطالما صوّر الفلسطينيين كضحايا صامتين، يجد نفسه مجبرًا على الاعتراف بأن هؤلاء الناس أقوى من أي قوة عسكرية، وأن تكبيراتهم أقوى من كل الصواريخ الذكية.

يحيى السنوار.. الشهيد الحي الذي كتب أسطورة النصر :-
في مقدمة العائدين، كان هناك روح رجل يسير بثبات، بوجهٍ يحمل كل معاني القوة والإيمان.. يحيى السنوار، الرجل الذي حاولوا اغتياله ألف مرة، لكنه عاد ليثبت أن الأبطال لا يُهزمون، وأن الشهداء قد يسيرون بين الأحياء أحيانًا.

يبدو المشهد و – اتخيله في رأسي – وكأن السنوار يمشي بين الناس، محاطًا بجبال من الدمار لكنه لا ينظر إلا إلى السماء، كان مشهدًا كأنه خرج من أسطورة.. كأنه صلاح الدين وهو يدخل القدس، كأنه خالد بن الوليد وهو يفتح الشام، كأنه أحد رجال الحق الذين لم يُخلقوا للهزيمة.
“الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد!”

لقد كانت العودة انتصارًا.. و أدرك العالم أن غزة انتصرت. لم يكن هناك حاجة لإعلان رسمي، لم تكن هناك حاجة لاعتراف سياسي.. كان المشهد وحده يكفي.

حيث أن مليون فلسطيني عادوا إلى بيوتهم، دون قيد، دون إذن من الاحتلال، دون أن يطلبوا من أحد أن يسمح لهم بالرجوع..

وإسرائيل؟

إسرائيل التي أرادت محو غزة، لم تستطع حتى محو فكرة العودة. إسرائيل التي قتلت الآلاف، لم تستطع قتل العزيمة. إسرائيل التي ظنت أنها تمتلك الأرض، اكتشفت أنها لا تمتلك شيئًا.
غزة التي لا تموت.. والشعب الذي لا يُهزم :-
وقف شيخ مسن أمام بيته المدمر، وضع يده على جدار متهالك وقال: “مش مهم الحيطان.. المهم إننا إحنا رجعنا”.

الموقف الاكثر دهشة و ربما و الاكثر سخرية من كل احلام العدو الإسرائيلي أن رجلا و هو عائد الي شمال القطاع وكانت أحدي القنوات الفضائية تجري معه حوارا عن سبب عودته فرد قائلا :
أنا غادرت و كنا اثنين ولكني عدت بثلاثة حيث كانت زوجته حاملا فانجبت في رفح و عادوا جميعا الي الشمال !

وهكذا، لم تكن العودة مجرد حدث، بل كانت إعلانًا بأن غزة لا تُهدم، بأن فلسطين لا تُمحى، بأن الاحتلال مهما امتلك من قوة، سيظل أضعف من فكرة في عقل طفل فلسطيني يقول بصوت ثابت:

“هنا وُلدنا.. وهنا سنموت.. وهنا سننتصر.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى