رؤي ومقالات

وحيد عيادة يكتب : حلويات ماما !

عندما يعود الأبناء من المدرسة أو الجامعة أو بعد قضاء فسحة مع صحابهم ، تتحول أهدافهم إلى ما يشبه خطة سرية لاقتحام البنك المركزي للحلويات. نعم، إنهم يتجاهلون مكتبي الصغير المليء بالكتب والأوراق وكأنه مجرد ديكور في فيلم رعب، و يتجهون مباشرة إلى المطبخ. لماذا؟ لأن مملكة الأم هناك، حيث الحلويات بأشكالها و انواعها تنتظرهم كجوائز في برنامج مسابقات، بينما أنا أقف في الزاوية كطفل ضائع في محل ألعاب، أتمنى لو أن أحدًا يلاحظ وجودي!

أحيانًا، أسمع أمهم تقول: “هل سلمتم على بابا؟” وكأنها تطلب منهم تنفيذ مهمة سرية تشبه مهمة إنقاذ العالم من غزو فضائي مدمر . لكن بين الطلب وتنفيذه، يستغرق الأمر وقتًا طويلًا قد يمتد إلى نصف ساعة، وكأنهم في سباق ماراثوني لتجنب مواجهة مشاعر الذنب. وكما يُقال في التراث الشعبي: “الذي يسير على الدرب الصحيح لا يعبأ بالعثرات.” لكن العثرات هنا هي طبيعة الحياة العائلية التي تختفي خلف الأبواب، مثل توجيهاتي المملة التي تبدو وكأنها محاضرة في علم الفلك.

لنذهب مرة اخري إلي الازدحام و التكدس المروري في المطبخ، حيث الأولاد يحاولون التخفي وراء الأبواب مثل قراصنة يجوبون البحر بحثًا عن كنز ثمين. بينما أجلس في مكتبي كتمثال شمعي، أتسائل إذا كنت جزءًا من الديكور أم أنني مجرد خلفية في مسرحية عائلية.

والمضحك، أن الأسبوع الماضي كنت في مكتبي ، وإذا بي أخرج لأتفقد الأمور – فاكر نفسي عنترة بن شداد – فرأيت أحد أبنائي يقوم بحركات بهلوانية أمام الدولاب. وعندما رأني ، تظاهر بأنه كان يحاول أن ينظم شيئًا ما في دولاب ملابسه . قلت في نفسي: “يا له من ممثل بارع! ربما يكون لدينا نجم هوليوود القادم في العائلة.”

ثم مرة أخرى، نظرت إليه ووجدته يحاول أن يخرج قطعة شوكولاتة من جيب بنطالونه، لكنها كانت ملتصقة داخل الجيب كالأسرار العائلية. الجيب المغلوب علي أمره يخوض دائما حروبًا باردة مع الحلويات، بينما هو، وكأنه في دور البطولة في فيلم كوميدي، يفتقر إلى الوعي للتعامل مع الموقف. قلت له : “يا بني، إذا كنت تريد أن تكون لصًا، عليك أن تتعلم كيفية الهروب بسرعة!”

وفجأة ، في خضم هذه الفوضى، أدركت أن ابنتي وأبني يتجهان نحو أمهم كأنهم ينتمون لفريق منتخب كرة البيسبول الأمريكية وهم يهرولون تحت المطر .
“يبدو أننا لا نملك إلا ماما ! ” كانت هذه العبارة تدور في رأسي، بينما كان قلبي يتمنى أن أكون بينهم. وهنا جاء دوري بتوجيهاتي التي قد تكون أكثر جفافًا من مملحات الفرن الافرنجي : “يجب أن تتحلوا بالصبر، الاستعداد للمستقبل، و لازم تعملوا الواجبات .” لكن أمام روائح الكعك، تصبح كلماتي كمشروب باردة في ليال الشتاء القارص البرودة عديمة الجدوى .

في حقيقة الأمر و علي الصعيد الشخصي عندما ألجأ إلى قرار أو احتاج مشورة أدرك ساعتها أنه بدون وجود الأب، يصبح المنزل مثل فطيرة بلا حشو. محاطة بالذكريات ، ولكنها تفتقر إلى المذاق المميز و رائحة عطر الأب و احضانه الدافئة حنانا و عطفا !

وتبقى الشكوك تلوح: “هل حلويات الأم و مذاقها اللذيذ أهم من أحضان الأب؟!” هذا السؤال يُشبه التوجيهات التي يفقد فيها الأب صوته وسط صرخات الفرح حول المطبخ.

وحينما اعود للتجوال بين مقاهي المدينة وأسواقها، والنادي الذي كنا نجتمع فيه لصنع الذكريات، تذكرني تلك الأماكن بفراغ مكان الأب بعد رحيله . حيث اتلمس و اشم رائحته الذكية و اغمض عيناي لأصافح روحه التي تنبض في كل زاوية من زوايا حياتنا، حتى إن كان غائبًا .

لذا، أيها الأولاد، عندما تأكلون حلويات الأم، تذكروا أن الأب أيضًا لديه ما يقدمه… حتى لو كان مجرد نصائح مملة ووجوه مضحكة عندما نحاول أن نكون جزءًا من الفريق الواحد !
اللهم بارك في كل الآباء و الأمهات و ارحم من رحلوا عن دنيانا ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى