كتاب وشعراء

البناء الدرامي في قصيدة ” يا لهف نفسي ” للشاعرة اللبنانية جميلة مزرعاني ……… من إنجاز // الناقد المغربي سعيد محتال

البناء الدرامي في قصيدة ” يا لهف نفسي ”
للشاعرة اللبنانية
جميلة مزرعاني
قراءة نقدية من إنجاز :
سعيد محتال
المغرب

تحتل الأم مكانة مركزية في حياة الإنسان، فهي ليست مجرد شخص، بل هي رمزٌ للحنان والأمان يتجاوز حدود الأمومة البيولوجية. في قصيدة “يا لهف نفسي”، تعبر الشاعرة عن حنين عميق وشوق جارف إلى أمها، التي تمثل لها الملاذ الآمن ومصدر الحب والحنان. الأم هنا ليست مجرد فرد في حياة الشاعرة، بل هي رمزٌ للوطن والأمان، مما يعكس مدى تأثيرها العاطفي والنفسي على الشاعرة.

– فاتحة النص:
/ حسرة وحنين /
افتتحت الشاعرة قصيدتها بتعبير صادق عن حسرةٍ عميقة وحنينٍ جارف إلى الماضي، وتحديدًا إلى حضن الأم الدافئ. تصف الأم بملاكٍ تشتاق إلى رائحتها ودفء حضنها، الذي يرمز إلى “جنة” تنسيها آلام الغربة والوحدة. هذا الحضن ليس مجرد مكان، بل هو مصدرٌ للحنان والأمان، مما يعكس مدى تعلق الشاعرة بأمها واعتمادها العاطفي عليها.

– الأم كرمز للحنان والأمان:
تربط الشاعرة بين الأم والوطن، حيث تصبح الأم رمزًا للأمان والحنين إلى الماضي. وقد استخدمت الشاعرة كلمات مثل “الوراء” و”غربتي” للتعبير عن بعدها عن الوطن وأمها، مما يعكس شعورها بالغربة والوحدة. الفراق والغربة يولدان لديها مشاعر الحزن واليأس، حيث تقول:
“يا لهف نفسي”، “كفرت بالفراق وحدتي”.
هذه العبارات تعبر عن مدى عمق الألم الذي تشعر به بسبب البعد عن أمها.

– اللغة العاطفية والصورة الشعرية:
استخدمت الشاعرة لغةً عاطفيةً قويةً ومؤثرة، مما زاد من تأثير النص على المتلقي. كلمات مثل “تاقت نفسي”، “أعطر ثغري”، و”كفرت بالفراق وحدتي” تعبر عن مشاعر عميقة من الشوق والحزن. كما أن الصور الشعرية التي رسمتها الشاعرة، مثل “أكحل عيني بمرأى ملاك”، “أشم رائحة أمي”، و”يرتويني قلبها من نبع الحنان”، تعكس جمالية النص وقوة تأثيره العاطفي.
هذا إضافة إلى استخدام بعض التعابير العامية في النص أضفى عليه عفوية وصدقاً، وجعله أكثر تعبيراً عن مشاعر الشوق والحنين التي تملأ قلب الشاعرة.

– الصراع الداخلي والتوتر الدرامي:
يعكس النص صراعًا داخليًا بين حنين الشاعرة إلى الماضي وواقعها الحالي. تتمنى الشاعرة عودة الزمن إلى الوراء لتستعيد دفء حضن أمها، لكنها تدرك أن هذا مستحيل. هذا الصراع يولد لديها مشاعر الحزن واليأس، مما يزيد من التوتر الدرامي في النص. يتصاعد هذا التوتر تدريجيًا مع تطور مشاعر الشاعرة، حيث تصل القصيدة إلى ذروتها في المقطع الأخير، الذي تعبر فيه عن يأسها وإحباطها.

– النهاية المأساوية
في نهاية القصيدة، تعبر الشاعرة عن يأسها وإحباطها بقولها: “كلّما أراق صدرها شجوني توهّج في ليل غربتي ضياء”. هنا توضح الشاعرة أن أمها هي النور الذي يضيء حياتها، ولكنها الآن بعيدة عنها. تنتهي القصيدة بمشاعر الحزن واليأس، تاركةً القارئ مع صورة قاتمة عن قيمة الحياة بعد فراق الأم.

– البناء الدرامي المتماسك
يتميز النص ببناء درامي متماسك ومؤثر، حيث تنوعت عناصره بين الحنين والشوق واليأس. استخدمت الشاعرة أساليب مثل التكرار والاستفهام والتعجب لزيادة تأثير النص على القارئ. هذا التنوع في الأساليب والأفكار خلق جوًا من التوتر والتشويق، مما جعل القصيدة تعكس الحالة النفسية للشاعرة وتأثير فراق أمها عليها.

– خلاصة القول
قصيدة “يا لهف نفسي” نصٌ شعريٌ مليء بالمشاعر والأحاسيس القوية، يعبر عن مدى تعلق الشاعرة بأمها وشوقها إلى الوطن. من خلال بناء درامي متماسك، استطاعت الشاعرة أن تنقل مشاعر الحنين والحزن واليأس إلى القارئ، مما جعل النص يعكس عمق العلاقة بين الأم وابنتها، وقوة تأثير الفراق على النفس البشرية.
محتال سعيد
المغرب

النص
يا لهف نفسي

ألا ليت الزّمان
يعيدني إلى الوراء
هنيهة …
لأكحّل عيني بمرأى ملاك
أشتمّ رائحة أمّي
يرتويني قلبها
من نبع الحنان
تاقت نفسي لضمّة
حضنها يا ناس
نغمات ناي
تفقه
تعزف على وتيني
تُحييني
ترانيم الهناء
لجناحيها
تهفو روحي
حرّاس الأمان
في غمرات الظلام
لصوت رخيم
يُغمض جفناتي
على هدهدة الحِداء
لهف نفسي
أقرأ في سطور عينيها
عشقي
منذ نعومة أظفاري
عشقٌ
ترسّخ تراتيل قرآن
تعجز قصائد الشّعر
تبوح بطوفان الودّ
والألفباء
همسها في مسمعي
نوافير تحنان
بودّي
أقيم على صدرها
مملكتي
جنّتي هي
وأنا سلطان
لهف نفسي
أعطّر ثغري
بمبسمها الريحان
كفرت بالفراق وحدتي
يا لهطيل الدفء
من راحتيها دواء
كلّما أراق صدرها شجوني
توهّج في ليل غربتي
ضياء

الشاعرة
جميلة مزرعاني
لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى