
كتبت من قبل ما قاله ترامب عن نفسه فى فترته الأولى: إنه يحب الأقوياء وهو ماعبر عنه البروفيسور جون ميرشايمر بأنه متنمر وليس قوياً، فهو يفترس من يلتمس فيه ضعفاً ويتراجع أمام أى مقاومة حقيقية.
لكن تطبيق ذلك فى الواقع يحتاج لما هو أكثر من النصائح أو المواعظ.
بداية ليس من مصلحة البلاد العربية الدخول فى مواجهة مفتوحة ومتصاعدة مع الولايات المتحدة، لكنها فى نفس الوقت لايمكنها أن تنصاع لمطالبه المستحيلة التى هى ترجمة عملية لخطط اليمين المتطرف فى إسرائيل. فما هو الحل؟
أولاً اتخاذ موقف جماعى لا يقبل المساومة، ليس فقط برفض خططه، بل ينتقل من الرفض السلبى بعدم المشاركة فى تنفيذ مطالبه إلى العمل المنظم لإفشال خططه للتطهير العرقي فى غزة، فإذا كان كما قال يتواصل مع زعماء بعض الدول لاستقبال الفلسطينيين ، فلابد من عمل مضاد لتحييد تهديداته وإغراءاته لهذه الدول، وتحذيرها من المشاركة فى تلك الجريمة.
ثانياً: النموذج الكندى المكسيكى بتوضيح الثمن الذى سيدفعه ترامب فى حالة إصراره على سياساته المعادية، حيث أعلن البلدان فرض رسوم جمركية على البضائع الأمريكية المستوردة مثل الرسوم التى فرضتها واشنطن، عندها أدرك ترامب الكارثة التى أوقع نفسه فيها والتى ستزيد فوراً من أسعار الطاقة والسلع والخدمات فى الولايات المتحدة وتعوق الصادرات الأمريكية لأهم الشركاء التجاريين فبدأ يبحث عن حل.
ثالثاً: نعطيه فرصة التراجع وإعلان النصر الوهمى بما يحفظ كبرياءه. فترامب تهمه صورته أمام الأمريكيين كرجل قوى وزعيم يأمر فيطاع أكثر من المصلحة الأمريكية ذاتها، هذا ما أدركه رئيسا الدولتين، فهما كانا يبحثان عن حل وليس المواجهة، وهنا وافقا على بعض التنازلات الشكلية بإجراءات لتأمين الحدود ليس فيها جديد، لكنها سمحت له بالقول إنه سيوقف القرارات بعد استجابة الدولتين لمطالبه.
رابعاً: مع شخص منفوخ بهذا الشكل لابد من تنفيس الهواء الساخن بداخله، بتوضيح أن نيتانياهو يتلاعب به وأنه صار مجرد بوق لسموتريتش وبن غفير وعناصر اليمين المتطرف فى إسرائيل وأن استمراره فى التمسك بمطالبه يجعله شريكاً تابعاً لهم فى جرائمهم وليس زعيما قوياً.
انظروا إلى عبارات نيتانياهو له فى المؤتمر الصحفي وهو يشيد بأفكاره خارج الصندوق بينما هو يعلم أنها صدى لما قدمه له الوزير الإسرائيلي رون ديرمر وبعض الخبراء المرتبطين باليمين فى البلدين. هو بذلك يجعله صاحب الفكرة وبالتالى المسئول عنها والمتحمس لتنفيذها، بعبارة اخرى (بيلبسهاله) فالمواجهة يجب أن تشمل إعادة الفكرة لأصلها وإشعار ترامب بأنه مجرد أداة لنيتانياهو. بالطبع هذا لن يكون بطريقة مباشرة مستفزة.
خامساً: يجب التركيز على استخدام مصطلح (التطهير العرقى) بشكل واسع، بكل مايحمله ذلك من توصيف سلبى للخطة باعتبارها جريمة حرب تهدد بمحاسبة المشاركين فيها بالمسئولية أمام المحكمة الجنائية الدولية. ربما لايهم ذلك نيتانياهو المتهم بالفعل أمام المحكمة لكنه بالتأكيد سيترك أثره لدى ترامب الذى تصور يوماً إمكانية حصوله على جائزة نوبل للسلام!
سادساً: يجب أيضاً الإصرار على توصيل المساعدات الكافية إلى الفلسطينيين فى غزة بما يسمح لهم بالبقاء فى أرضهم.
والأهم من كل ذلك هو أن يشعر بالتهديد خصوصاً من المملكة العربية السعودية ودول الخليج التى يعتمد عليها لتنفيذ خطته خصوصاً فى تمويل الريفييرا الخاصة به فى غزة، فليس من المعقول أن يتعامل بهذا الاستخفاف بالدول العربية ثم ينتظر تريليون دولار استثمارات فى أمريكا ومساعدة فى بناء غزة للإسرائليين بعد طرد الفلسطينيين. صحيح أن ذلك ليس سهلاً لكن مارأيناه حتى الآن أن بيانات السعودية ومصر وكثير من الدول العربية كانت قوية بالفعل وتكشف جديتها فى الرفض.
من المهم أيضا تنظيم حملات قوية شعبية ورسمية فى وجه أى زعيم عربى آخر يفكر فى الاستجابة لمطالب ترامب باستقبال الفلسطينيين وذلك بالكشف عن أى خطوات عملية للتنفيذ حتى لو تم الاتفاق بطريقة سرية. وإذا كانت هناك بعض الدول اختارت التحالف الليكودى/ الترامبى، فلابد وأن تتم معاملتها على هذا الأساس حيث تكون الخسائر بالتأكيد أكبر من المكاسب. فى المقابل يتم دعم الدول التى تواجه الضغوط خاصة مصر والأردن إذا ما تم قطع المساعدات الأميركية عنهما.
باختصار سيكون أول إجراء لإفشال الخطة أن يتبين نيتانياهو وتابعه فى البيت الأبيض أن مراهنتهم كانت خاطئة على الفجوة بين مايقوله الزعماء العرب علناً وما يوافقون عليه سراً، واعتقادى أن هذه الفجوة ضاقت بالفعل فى هذه الحالة تحديداً وهذا أول طريق المواجهة!