كتاب وشعراء

قراءة في “رمزية الظل بين الحضور والغياب” في نص الشاعر العراقي حسين إبراهيم …………. من إنجاز // الناقد المغربي سعيد محتال

“ظلال الذات: قراءة في رمزية الظل بين الحضور والغياب”
من إنجاز
سعيد محتال
المغرب

*-*-*-*-*-*
هو الظل
رفيق اللحظات الهادئة
لايشكو من وجعي
ولايعارضني إذا غيرت دربي
يسبقني
عند منعطف طريق
يتلاشى في السكون
ويتألق في الأزقة الضيقة
ملاذ الهدوء والتأمل
تعبت من انتظارك
فينكفىء حين أطرق مثقلا

الشاعر
حسين إبراهيم
العراق

في عالم الأدب والشعر، غالبا ما تتحول العناصر البسيطة إلى رموز عميقة تحمل في طياتها دلالات متعددة، تعكس تجارب الإنسان ومشاعره المعقدة. ومن بين هذه العناصر، يأتي “الظل” ليكون أكثر من مجرد انعكاس للضوء، بل رمزًا غنيًا يعبر عن الذات والوجود، وعن العلاقة بين الإنسان وذاته أو واقعه.
في النص الذي بين أيدينا للشاعر حسين إبراهيم نجد الظل يعتمد عليه كمركز دلالي يعكس ديناميكية معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث يتجاوز الظل كونه مجرد عنصر مادي ليرمز إلى الذات والوجود، مفتوحًا على تأويلات متعددة.
الظل هنا ليس مجرد رفيق صامت، بل هو تعبير عن الذات الداخلية أو الذاكرة أو حتى شخصية غائبة تعيش في اللاوعي.

” هو الظل
رفيق اللحظات الهادئة
لايشكو من وجعي
ولايعارضني إذا غيرت دربي”

في البداية، يظهر الظل كرفيق للّحظات الهادئة، حيث لا يتدخل ولا يحكم، بل يكون حاضرًا دون أن يفرض وجوده. هذا الحضور الهادئ يمكن أن يُفهم كرمز للذات العميقة التي ترافق الإنسان في صمته وألمه ( وجعي)، دون شكوى أو اعتراض. الظل هنا يعكس حالة من القبول والتسامح ( لايشكو )، أو ربما الخضوع والصبر( ولايعارضني )، حيث يتعايش مع الألم دون مقاومة ( إذا غيرت دربي ).

” يسبقني
عند منعطف طريق
يتلاشى في السكون
ويتألق في الأزقة الضيقة ”

ثم تتطور العلاقة بين المتكلم والظل عبر أوصاف وأفعال تعبر عن ديناميكية هذه العلاقة وتأثيرها على مشاعر المتكلم وأفكاره. الظل يسبق المتكلم عند منعطف الطريق، يمكن أن يُفهم من فعل( يسبق ) أنه رمز للقدر أو المصير الذي يسبق الإنسان ويحدد مساره دون أن يدرك. إذ قد يمثل هنا قوة خفية تؤثر على حياة الإنسان وتوجهها. مما يطرح سؤالًا حول ما إذا كان الظل يمثل قدرًا يحدد مسار الإنسان دون وعي منه. ومع ذلك، فإن هذا الظل يتلاشى أحيانًا ويتألق في أزقة الحياة الضيقة، مما يجعله رمزًا للتقلب بين الحضور والغياب، بين الوضوح والخفاء.
لذا يمكن اعتبار الأفعال المضارعة هنا ليست مجرد وصف لأحداث آنية، بل تحمل دلالات عميقة تعكس حالة من التغير المستمر والتفاعل بين الذات والظل..

رغم ذلك، في لحظات الهدوء، يصبح الظل ملاذًا للتأمل والاسترخاء، حيث يبحث الإنسان عن السلام الداخلي بعيدًا عن ضغوط الحياة:

” ويتألق في الأزقة الضيقة
ملاذ الهدوء والتأمل ”

الأزقة الضيقة تُشير إلى أماكن مغلقة أو معتمة، غالبًا ما تُعتبر رمزًا للصعوبات أو التحديات في الحياة. ومع ذلك، فإن تألق الظل في هذه الأزقة يعكس فكرة أن الجمال أو الوضوح يمكن أن يظهر حتى في الأماكن الأكثر ضيقًا وظلامًا.
وهذا ما يعكس حاجة الإنسان المعاصر إلى مساحة خاصة للتأمل، خاصة في مجتمعات مليئة بالضجيج والصراخ، يكون فيها قادرا على تجاوز الصعاب وإيجاد ملاذ داخلي، يكون فيه الظل مرآة للذات، تمكن للإنسان من إيجاد السلام في صمته، من خلال إبداعاته وكتاباته.. تساعده في البحث عن الذات وفهم أعمق للوجود، وما يحيط به.. وهذا ما تحاول ابرازه الصورتين المتضاربتين،
التناقض الظاهري الحاصل بين “الأزقة الضيقة” و”التألق”..
بمعنى آخر، فالتألق في الأزقة الضيقة يؤدي إلى تحويلها إلى ملاذ للهدوء والتأمل. وهذا يعكس فكرة أن الإنسان يمكنه تحويل التحديات إلى فرص للاسترخاء والتفكير العميق.

لكن هذا الملاذ لا يخلو من التحديات، حيث يعبر المتكلم عن إرهاقه من الانتظار الطويل، سواء كان انتظارًا لشيء أو شخص، أو ربما رغبة في تغيير أو حياة جديدة:

“تعبت من انتظارك”

حالة من الإرهاق النفسي والجسدي الناجمين عن الانتظار الطويل.
هذا الانتظار الذي يمكن أن يكون لشيء أو شخص ما، أو حتى رغبة في حياة جديدة:

“فينكفئ حين أطرق مثقلاً”،

ليظهر الظل في النهاية ككيان ينكفئ عندما يطرق المتكلم مثقلاً بالألم، مما يعكس حالة من الانسحاب أو التراجع في لحظات الضعف والهزيمة. هذا التقلب بين الحضور والغياب، بين القوة والضعف، يعكس الصراع الداخلي للإنسان بين الرغبة في التغيير والرضا بالواقع.
صراع تجسد حتى في طبيعة تراكيب النص، التي
تراوحت بين جمل اسمية وأخرى فعلية:
الجمل الاسمية: “هو الظل”، “ملاذ الهدوء والتأمل”: تعبر عن ثبات واستمرارية العلاقة بين الإنسان وظله.
الجمل الفعلية: “لا يشكو”، “لا يعارضني”، “يسبقني”، “يتلاشى”، “يتألق”، “تعبت”، “ينكفئ”: تعبر عن ديناميكية العلاقة وتغيرها المستمر.
فالإنسان كائن واحد، لكنه يحمل في داخله جوانب متعددة، قد تكون متضادة أو متكاملة، تتطلب التعايش مع الألم الذي أصبح مألوفا لدى الإنسان المعاصر.

خلاصة القول
النص يعبر عن حالة نفسية معقدة، تتأرجح بين القبول والرفض، الحضور والغياب، الألم والأمل. وأن الظل هنا ليس مجرد ظل مادي، بل هو رمز للذات الداخلية، أو للذاكرة، أو للمصير، أو حتى للمجتمع.
سعيد محتال
المغرب

* * * * * *

زر الذهاب إلى الأعلى