رؤي ومقالات

وحيد عيادة يكتب: بسبوسة باللحمة!؟

في عالمنا المليء بالهموم والمشاغل، هيا نبحث عن تسلية رائعة بعيدا عن طاحونة الدراما الحياتية –
الجلوس وحدك، في عزلة على الطريقة المصرية، والاستمتاع بالغوص في عواطفك ! أمس، قمت بتجربة استثنائية لم أكن أتوقعها، واعتقدت أنني سأكتشف بعض الحقائق المدهشة عن نفسي. ولكن الحقيقة كانت أكثر تعقيدًا من فوضى الأسابيع الماضية!

بدأت بالاسترخاء، وأخمدت العواطف في صدري مثلما أخمدت “الكنافة ع الفحم” التي قضمتها بعد الإفطار الرمضاني.. لكن دون جدوى. شعرت بالسرعة التي تجرجرني نحو عواطفي. “هل أكون قديسًا في نظر البعض؟” تساءلت. تخيلت أنني سانتا كلوز لمشاعر الناس. “يا الله، ما هذا المجد؟” كنت أرقص بعكس اتجاه الرياح، كما يفعل البائع في أحد شوارع مصر!

ولكن، في اللحظة التالية، وجدت أشخاصًا آخرين ينظرون إليّ. “هو مين الراجل ده؟! ده شكله عامل زي اللي فاكر نفسه في مسلسل هندي!” يقول أحدهم. ومن هنا بدأت تتوالى الآراء. بعضهم يعتبرني الشخص الذي يصلح ليكون قديساً، وآخرون يتمنون لو تأتيهم فرصة للتخلص مني بجرعة من المؤامرات، وكأنني وعدتهم “بالفوز بمسابقة الحلم ” في أول سحور رمضان. يا له من انفجار من المشاعر!

وفي زحمة المشاعر، جاءتني فكرة تأرجح خيالية. تخيلت نفسي أستطيع “تغيير الواقع” المحيط بي، كفنان يحمل فرشاته ويخوض في عالم من الأفكار المظلمة. هناك، حيث يعيش أولئك الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة الكونية. لماذا لا أستطيع التسلل إلى عقولهم الغامضة؟ أرغب في الدخول في “المخيخ” بتاعهم علشان اعرف بيفكروا في ايه ؟ و عايزين ايه ؟ ليه مش سالكين و مسالمين ؟ ليه جواهم غير براهم ؟! تمنيت لو اكون “مفجر الأسرار العميقة”.
وفي خضم هذه التأملات والأسفار، خطرت لي فكرة غريبة، بل مجنونة: بسبوسة باللحمة!
نعم، لقد قرأتم جيدًا. تخيلت نفسي في مطبخي، أحاول صنع هذه التحفة الفنية التي تجمع بين الحلو والمالح، بين السكر واللحم الضأن. بدأت بتقطيع اللحم إلى مكعبات صغيرة، ثم خلطتها مع السمن والسكر، وأضفت إليها جوزة الطيب والقرفة، وكأنني أعد طبقًا لسكان كوكب عطارد … بعد ذلك، صببت الخليط في صينية و رشيت عليه جوز الهند، ثم أدخلته الفرن .

لكن المفاجأة كانت عندما أخرجت الصينية من الفرن. البسبوسة كانت تبدو كأنها خرجت من فيلم رعب: اللحم يتدلى من جوانبها كأن محمد علي كلاي ضربه باللكمة القاضية ، وجوز الهند يغطيها كأنه ثلج على قمة جبل. جربت قطعة صغيرة، وكان الطعم… !!!؟؟ لن أصفه بالسيء، بل كان أشبه بمزيج من “الحلم والكابوس”. تخيلوا طعمًا يجمع بين حلاوة البسبوسة ومذاق اللحم الضأن، مع لمسة من الفوضى التي تجعلك تتساءل: “هل أنا في مطبخ أم في مختبر علمي مجنون؟”

بالطبع، لم يكن هذا الطبق ليحظى بإعجاب أحد، لكنه بالتأكيد كان تجربة فريدة من نوعها. ربما تكون البسبوسة باللحمة هي الاستعارة المثالية لحياتنا جميعا : مزيج من الأشياء التي لا تتناسب معًا، لكنها في النهاية تشكل شيئًا فريدًا، وإن كان غريبًا بعض الشيء!

في وسط هذه العزلة، تذكرت قصة النبي يونس عليه السلام في بطن الحوت، حيث كانت عزلته بمثابة اختبار لإيمانه وصبره. أما أنا، فاختباري كان في مواجهة طبق “البسبوسة باللحمة” الذي كاد أن يرسلني إلى بطن الحوت حرفيًا!

في النهاية، بعدما تخيلت في عزلتي تحت ضوء الشمعة أن “الواقع” محشو بشخصيات تتأرجح بين الأخيار و الأشرار، أدركت أن العزلة ليست سوى حلبة مصارعة من المشاعر. هناك السعيد، وهناك الحزين، و مئات من النوايا المدفونة.

لذا، في المرة القادمة، إذا شعرت بأنك بحاجة للتسلية، تذكر أن تجلس وحدك، حيث ستكتشف أن عواطفك قد تفاجئك بقدر ما يمكنك أن تفاجئ الآخرين بشخصيتك الفريدة. ستجد نفسك تجري وراء الأوهام، وتزيد من حماقة الشخصيات التي تراها حولك بينما تضحك مع نفسك لكثرة التفاصيل التي لا يتحملها أحد.

والنتيجة؟ ستكتشف أنك، في نهاية المطاف، جزء من مسرحية كوميدية وسط طاقم تمثيل من خيالات الآخرين!

زر الذهاب إلى الأعلى