رؤي ومقالات

شريف يونس يكتب :الجيش بين العصور الوسطى والعصر الحديث

من أهم معاني الدولة الحديثة هي استعادة الجماعة المدنية السيطرة على أمور الحرب. في العصور الوسطى، كانت القوى القبلية المسلحة تغزو، بينما الحضارة يصنعها من لا يحملون السلاح. والقوى المسلحة دي بتسيطر على الوضع زي ما هو بس بتستعمله لمصلحتها وتدخل عليه تغييرات محدودة تتفق مع وضعها. مثلا العرب الفاتحين في القرن السابع لم يدخلوا جديدا في فارس أو مصر أو غيرهما من مراكز الحضارة غير تعديلات على الضرائب، مش على نظامها التاريخي (بالعكس، خدوا نظام الدولة من الحضارتين الرومانية والفارسية، عشان مكانش عندهم أي نظام أساسا)، وإدخال العقيدة ومنح معتنقيها امتيازات. ومن ساعتها والعملية ماشية بالطريقة دي: تحالف قبلي على الأطراف يغزو. بكدا اتكونت الدولة العباسية، والمرابطين والموحدين ف المغرب العربي والأندلس، وغيرهم.
لما ابتدا التطوير بصناعة المدافع، وتطور المدافع نفسها، بقت التكنولوجيا والصناعة، مش مجرد ورشة بتتعمل ف الصحرا تعمل سيوف ورماح، هي الفيصل ف الحرب. ومش أي مدفع.. المدفع الأقوى والأبعد مدى، والبندقية اللي بتتشحن أسرع وطلقتها أدق وأبعد. ومن ساعتها راحت على القبائل حكاية تفوقها العسكري بحكم تدرب ناسها على القتال من صغرهم. ودا اللي خلا الجيوش المدربة (زي المماليك أو الإنكشارية العثمانية) أفضل أو تساوي على الأقل جيوش القبائل. والحالة دي هي حالة وسطى. لأن المماليك أو الأرستقراطية الأوربية، لها قاعدة متحضرة، من الزارعين والمدن، لكن برضو تعتبر قوة خارجية نسبيا عن جموع السكان، ولها أصل مختلف أو تعتبر نفسها كذلك (دم أزرق).
في العصر الحديث بقا ينفع حتى إن شوية ناس مدنيين ملهمش أساسا ف الحرب يتلقوا تدريب على إزاي يقفوا ف طابور ويضربوا نار سوا أو بالتتابع، وبصفة عامة يتنظموا، يقدروا يهزموا ملوك الشجاعة والحرب بسهولة.. سواء قبائل ولا أرستقراطية مدربة. ودا ظهر ف أوربا تدريجيا، وكانت ذروته الجيوش الشعبية اللي عملتها الثورة الفرنسية في مواجهة جيوش نبلاء أوربا المدربين على القتال.
ودا اللي حصل ف المواجهة بين مماليك مصر الأشداء البواسل، وجيش بونابرت، اللي جنوده ملمومين من القرى والمدن الفرنسية، وناس عادية وغلبانه ف مجملها (زي الجيش المصري كدا، جيش تجنيد). لكن اللي سماه المؤرخ المعاصر “الجبرتي” (الضرب المتتابع) بتاع الناس الغلبانة دي، مزق قوات مراد بك بمنتهى السهولة عند إمبابة.. وإبراهيم بك، اللي كان ع الناحية التانية من النيل، لما شاف اللي حصل، خد بعضه وديله وقواته ف سنانه وطلع جري ع الشام، ومقدرتش قوات بونابرت تلحقه. ودا كان له أثر مهم.. إن المماليك فقدوا الثقة والاعتبار بعد ما طلع إنهم خيبانين ف الحاجة الوحيدة اللي بيفهموا فيها.
دلوقت بقى العامل الرئيسي ف قوة أي جيش هو قوة الدولة بتاعته اقتصاديا. عشان دا اللي بيصرف على الأبحاث العسكرية وتطوير السلاح، اللي بيعتمد على تطوير علوم الفيزيا والكيميا وغيرها، اللي بيعتمد على مستوى التعليم والصحة العامة للناس، اللي بيعتمد على مجمل الاقتصاد. أما الشجاعة الفردية والاحتراف ف القتل.. فخلاص.. بح.. آخره يبقى مطارَد زي الإرهابيين كدا.

زر الذهاب إلى الأعلى