كتاب وشعراء

قارب صغير للنجاة…قصة قصيرة يقلم محمد الصباغ

عندما كنت صغيراً جداً ؛ وكأني كنت كبيراً جداً ؛ مكتملا جداً ؛ واعياً جداً ؛ وكأني إنسان علي حاله منذ الميلاد إلي النهاية ؛ فقط صغيراً كنت ألبس جسداً صغيراً ؛ وكبيراً كنت هو هو نفس المولود في جسد كبير ؛ وقد صورت ليّ أحلامي المتكررة في بكورة طفولتي ؛ قدرتي علي السباحة في الهواء ؛ وقدرتي علي المشي فوق الماء ؛ كانت الأحلام تتكرر حتي صار لدي اليقين علي القدرة ؛ وعلي فعل هذه القدرات الخارقة فعلا ؛ وما منعني عن تجربة الواقع ؛ إلا أن الفرصة ذاتها لم تتيسر للتجربة ؛ إكتفاءاً باليقين المتحقق عن أشياء أخري خارقة كانت تتحقق ليّ وحدي ؛ من بين إخوتي ونظرائي .
كبرت كثيراً في الدنيا وصار الماضي من العمر ؛ أكثر كثيراً من المتبقي للحياة ؛ وصار حلمي المتكرر ؛ قارب صغير للنجاة ؛ يمنح القدرة علي الهروب من الوقت الضائع من العمر وأن أعيش نفس اليقين الذي كان لدي بالقدرة علي الطيران والسباحة في الهواء والمشي فوق سطح الماء ؛ ولو قليلا .
في أيامي الأخيرة ؛ كان القارب يأتيني في الحلم ؛ بأنه سوف يأتي ؛ ومن فرط اليقين بقدومه ؛ صرت أتوقع أن يفاجأني القارب ذات صباح ؛ بأن يفتح علي باب غرفتي حيث أنام صباحاً ؛ بعد مساء وفجر قلق ؛ يدخل القارب ؛ ليلقي عليّ تحية البحر ويقول محييا : “صباح البحر سيدي القائد النائم صباحاً ” .

زر الذهاب إلى الأعلى