مريم نعمي تكتب :”الجولاني” يرتدي وجهه الحقيقي!!

تعمّق “غوستاف لوبون” بدراسة ظاهرة الجماهير، وأثناء دراسته للجماهير خَلَصَ لنظريّة عن شيفرة فكّ الجماهير ومن بنود هذه النّظريّة بند يقول فيه “لوبون” أنّ الجماهير محافظة بطبيعتها، ففي النّهاية تعيد بناء ما دمّرته لأنّ الماضي لديها أقوى من الحاضر، الجماهير لا تستطيع أن تبني حضارة لأنّها لا تستخدم قوّتها إلّا في الهدم والتّدمير!..
يتعذّر على الأمّة أن تختار نظامها قبل أن تغيّر روحها.
منذ عدّة أيّام استيقظت الشّعوب العربيّة على أفلام رعب لكن بمشاهد حقيقيّة، وغيّب عنها المجتمع الغربي بإرادته!
استبدل المشاهدون البرامج الرّمضانيّة بالمشاهد الدّموية الّتي انتشرت على جميع مواقع التّواصل الأجتماعي والمحطّات التّلفزيونيّة، كان من المتوقّع أن يعود السّوريّين إلى فتح مرحلة سابقة طواها الزّمن من الكراهيّة والإقتتال، لكن كانت شرارة الإنتقام هذه المرّة أسرع من السّابق!!..
لم يمضي أكثر من ثلاثة أشهر على رحيل نظام “بشّار الأسد” السّابق واستبداله بحكم القاعدة حتّى خلع “أبو محمّد الجولاني” قناعه العقلاني الّذي ارتداه لإرضاء الغرب ودول الخليج، واستبدل خطاباته الممنهجة عن أنّ سوريا لجميع السّوريّين وأنّه يرسم لسوريا مستقبل زاهر،
وطالب جميع المغتربين من كلّ الطّوائف أن يعودوا إلى حضن سوريا الأمّ ويعملوا من أجل مصلحتها.
إستبدل خطاباته بأفعاله الطّائفيّة وانقضّ على الأقلّيّات في سوريا!
من هو “أحمد الشّرع”؟
الملقّب بـ “أبو محمّد الجولاني” الّذي اعتبره بعض الأشخاص في لبنان من الرّفقاء بل حاولوا أن يلمّعوا صورته القديمة الملطّخة بالدّماء وتنصيعها بالبياض.
“أحمد الشّرع” لقّب نفسه بالـ “جولاني” تيمّناً بالجولان المحتلّ، لكنّه سمح لـ “نتياهو” أن يقضم ربع البلد وها هو اليوم يساعده على تحقيق مخطّطاته عن طريق بسط وتوسّع نفوذ جيشه على الأراضي السّورية، دون تدخّل عسكري بحجّة أنّ سوريا أنهكت من الحروب والمشاكل.
“أحمد الشّرع” ولد في الرّياض وترعرع في العاصمة السّوريّة دمشق، انضمّ إلى تنظيم القاعدة في العراق عام (2003)، عاد إلى سوريا مع اندلاع الثّورة السّوريّة عام (2012)، أسّس تنظيم جبهة النّصرة بدعم من تنظيم القاعدة ليصبح من أبرز الفصائل المسلّحة المشاركة في الحرب الأهليّة السّوريّة، بسط نفوذه في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
دمج جبهة النّصرة بتنظيم داعش وشكّل حكومة انتقالية في 15 ديسمبر وعُيّن رئيساً للجمهوريّة العربيّة السّوريّة للمرحلة الإنتقاليّة.
شهدت عدّة مناطق في سوريا فوضى عارمة واشتباكات من قبل التّنظيمات التّابعة للـ “جولاني” تحت مسمّى الأمن العام بحجّة فلول النّظام، شهد السّاحل السّوري إبادة جماعيّة لطائفة كانوا يعتبرونها أقليّة وباتوا يقولون لها أصبحتم طائفة نادرة.
قرّرت هيئة الأمن العام أن تدفع الطّائفة العلويّة ثمن 14 عاماً من المجازر والظّلم والإستبداد، وتلبسها جميع الإتّهامات متناسية أنّ النّظام السّابق، لم يكن يوماً مكوّن من طائفة واحدة بل كانوا جميعهم شركاء في الدّم!
لكن الأكثر دهشة أنّ المشاهد الّتي شاهدها العالم أجمع كانت موثّقه أغلبها من عدسات الجاني بدم بارد، بل لاقت استحسان مختلف الشّعب السّوري، واعتبره انتقام واجبّ بل طالبوا أيضاً بإستمرار العمليّات وعدم المسامحة والتّهاون معهم بل القضاء عليهم جميعاً!!
وثّق المرصد السّوري لحقوق الإنسان بأنّ مناطق السّاحل السّوري وجبال اللّاذقيّة شهدت عمليّات تصفية راح ضحيّتها المئات من المدنيّين، حتّى بلغ عددهم 973 شخصاً توزّعوا على محافظات اللّاذقيّة، طرطوس، حماه، حمص.. وكما تمّ تسجيل مجازر جديدة في حارة القنيطرة بطرطوس ومدينة بانياس وحي الدّعتور في اللّاذقيّة وقرية الرّمليّة وقرية الرّصافة في ريف مصياف، جميع الضّحايا كانوا أناس أبرياء غير مسلّحين ولم يكونوا يوماً تابعين حتّى للنّظام السّابق بل كانوا ضدّه وعانوا من بطشه!
كأنّ ذنبهم الوحيد أنّهم ينتمون إلى بقعه جغرافيّة واحدة ترفض الحرّيّات وتعمّق الإنقسامات وتحاسب على الهويّة الدّينيّة…
أغلبهم ينتمون إلى فئة المتعلّمين من : أطبّاء، مهندسين، ممرّضين..
ليثبت لنا أنّ الثّورات الغير علميّة الّتي لا تبنى على فكر علمي تستهدف الأفكار والعقول وتنقل البلاد من نور العلم إلى ظلمات الجهل!!
على أثر هذه الأحداث شهد لبنان حركة نزوح كثيفة وتوتّر بين منطقة طرابلس والعلويّين في جبل محسن لكن استطاع الجيش اللّبناني أن يفضّ النّزاع!
كلّما تحرّكت هذه الجماعات استشعر بعض المسيحيّين في لبنان خطر هذه الجماعات الّتي لا تفرّق بين مسلم، سنّي، شيعي، درزي، مسيحي، علوي..
كانت هناك تغريدات لافته على مواقع التّواصل الإجتماعي منهم من شكر حزب الله يوماً على قتاله الفكر المتطرّف في سوريا..
استشعر “وليد جنبلاط” خطر المشهد وتداعياته على لبنان بعكس نظيره “وئام وهّاب” الّذي لم يرفض وضع الدّروز في جرمانا تحت حماية الجيش الإسرائيلي ويتّجه الآن العديد من العلويّين إلى الإحتماء بقاعدة حميم الرّوسيّة وكأنّنا أمام مشروع تقسيمي يخدم المشروع الصّهيوني الّتي نشرت قناته 12 عقب الأحداث خريطة ممر داوود الّذي يمرّ من الشّام إلى لبنان معتبراً أنّ على إسرائيل البقاء في سوريا لحماية نفسها من هذا الفكر المتطرّف!
نحن لم نعد نتحدّث هنا عن شرق أوسط جديد ولا عن تغيير ديمغرافي طارئ، بل عن تغيير في الهويّة الإجتماعيّة للمنطقة بأكملها، ويبقى السّؤال : من يستطيع أن يضبط هذا الفكر المتطرّف الجانح؟ هل تقتصر تداعياته على سوريا فقط؟ أم أنّ خطره سيطال المنطقة بأكلملها وسط التّهديدات الدّائمة والتّوعّد للبنان؟
هل يستمع الشّعب اللّبناني إلى نصيحة “رفيق نصر الله” عندما قال لهم : استبدلوا شراء الخبز بالسّلاح وسط دولة غير قادرة على حماية سيادتها سواء من الإسرائيلي أم من هذه الجّماعات!!
أنقل إليكم تغريدة الكاتبة السّوريّة “سارة ش.” اليوم تنتهي حكاية 54 عاماً ومظلوميّتها اليوم تساوت مآساة الغوطة بـ بانياس وبارميّا وشريفا والشيخ بدر.. تساوت مآساة الحولة بـ التّقويم والسقليّة والغاب ومصياف..
اليوم انتهت أسطورة تعفّشنا وكنتوا وكنّا ولا مظلوميّة لأحد!
لا مظلوميّة لكم في التّاريخ بعد اليوم!
رغم إعلان الآن أنّ سوريا موحّدة ووقف إطلاق النّار على كافّة الأراضي السّوريّة.
هل يستطيع “الجولاني” أن يضبط الأجيال الّتي تربّت يوماً على الحقن المذهبي والشّعارات الطّائفيّة والأناشيد الإنتقاميّة، ومن يضمن أنّ لا تتكرّر هذه المجازر مجدّداً إن كان هو مؤمناً ومصرّحاً بمقابلة تلفزيونيّة عن أنّ العلويّين أعدائه وبينه وبينهم عداء شديد ومظلوميّة في الدّين والتّاريخ!!