رؤي ومقالات

جمال محمد غيطاس يكتب :صاروخ بـ 32 مليار دولار يخترق رأس القاهرة …. وقصة من “عين العدو”

في يناير 2017 وأثناء مراجعتي لفعاليات المعرض العالمي للإلكترونيات الاستهلاكية “سي إي إس”، لاحظت أن الصورة التي نشرت للمنصة الرئيسية للمؤتمر الصحفي لشركتي انتل وبي ام دبليو الذى أعلنتا خلاله عن أول اسطول من 40 سيارة ذاتية القيادة ستجوب شوارع امريكا وأوروبا خلال هذا الصيف، قد ظهر بها شخص غير معروف، يجلس بجوار رئيس انتل أكبر صانع للمعالجات الدقيقة والشرائح الالكترونية عالميا، ونائب رئيس بي إم دبليو عملاق السيارات الغنى عن التعريف.
للوهلة الأولى تصورت انه أحد منظمي المؤتمر، لكن فوجئت به يظهر مرة أخرى بجوار رئيس فولكس فاجن الألمانية، وهو يستعرض احدث منتجات الشركة من السيارات ذاتية القيادة المقرر طرح نماذجها الاولية نهاية العام نفسه، ثم ظهر مرة ثالثة على مسرح مؤتمر صحفي مع نائب رئيس جنرال موتورز الامريكية، وهى تستعرض أحدث ما قدمته من تقنية مستخدمة فى عالم السيارات.
بعد المرة الثالثة قررت التوقف عند هذا الشخص الذي بدا كالملح الذائب فى كل الخلطات والفعاليات المهمة التي ظهرت بالمعرض المصنف رقم واحد حاليا بين معارض تقنية الاتصالات والمعلومات والالكترونيات، وجرت فعالياته خلال الفترة من 5 إلى 8 يناير من العام نفسه.
راجعت تفاصيل التقارير والبيانات الصادرة عن هذه المؤتمرات، فاكتشفت أن صاحب الصورة شخص إسرائيلي يحمل درجة الدكتوراة واسمه ” آمنون شاشوا” أو عمنون شاشوا، ويعمل استاذا لعلوم الحاسب بالجامعة العبرية بالقدس، والمؤسس المشارك ورئيس التقنية بشركة “موبايل اي”، المسجلة بمؤشر ناسداك لشركات تقنية المعلومات ببورصة وول ستريت.
بمتابعة البحث تبين أن مجال العمل الأساسي لهذه الشركة هو جعل “الآلة ترى” وتدرك ما حولها، فهي متخصصة في تقديم نظم وتقنيات وشرائح الكترونية دقيقة فائقة التقدم، ممتزجة جميعا في تقنية منسوبة إليها يطلق عليها “أي كيو5″، وتقوم هذه التقنية بمعالجة وترجمة الصور والبيانات المجمعة والملتقطة من مستشعرات الرؤية المبثوثة في اجزاء مختلفة من السيارة، ومن الكاميرات عالية الدقة المثبتة على السطح والمرايا الجانبية، والرادارات التي تمسح موقع السيارة كاملا، وفى الوقت نفسه تحدد موقع السيارة طوال الوقت، وتقوم “بصهر” كل هذه المعلومات على مدار اللحظة، لتوفر نظاما متكاملا للرؤية بالحاسب، يجعل السيارة ترى ما حولها، وتتخذ القرارات المناسبة للتعامل مع بيئتها اثناء قيادة نفسها ذاتيا بدون سائق، وتقدم الشركة هذه التقنية “كصندوق أسود” على طريقة تسليم المفتاح، وعلى الآخرين من شركات السيارات التعامل معه والاستفادة به، لذلك … ظهر هذا الشخص في كل المؤتمرات باعتباره الشريك الذي يوفر نظام الرؤية للسيارات ذاتية القيادة لشركات بي ام دبليو وجنرال موتورز وفولكس فاجن وغيرهم.
دارت الأيام وفي 13 مارس 2019 كنت اتابع أعمال مؤتمر “علوم التعلم العميق” الذي نظمته الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم بواشنطن في اليوم نفسه، وفي المؤتمر الصحفي الرئيسي للمؤتمر تباهت شركة انتل الامريكية ـ أكبر صانع في العالم للشرائح والمعالجات الدقيقة للحاسبات والاجهزة الالكترونية ـ بأنها حققت “اختراقا علميا” جديدا في مجال “التعلم العميق” وأن هذا الاختراق العلمي استند إلي تطوير ثوري احدثه باحثوها في تصميم وتشغيل “الحاسبات الكمية” الفائقة القدرات والإمكانات، والتي يتوقع أن تسود عالم التقنية الحديثة، وتدير حركة انتاج واستهلاك وتدفق وتدوير البيانات والمعلومات حول العالم في العقود المقبلة.
حتى لا يبدو الأمر أشبه بالألغاز، فإن “التعلم العميق” هو إحدى تقنيات المعلومات البالغة التطور، المتفرعة عن علوم الذكاء الاصطناعي، والتي تسمح لمالكيها ومستخدميها، سواء من البشر أو الآلات، بالتعامل مع تيارات وشلالات البيانات المتولدة بكميات فائقة الضخامة، تتخطي مليارات من البيانات التي يتم تجميعها من مصادر شتي على مدار اللحظة، في انتاجها ونقلها وتخزينها وفهرستها وتصنيفها ومعالجتها، ثم الخروج منها بمعارف ومعلومات منظمة مفهومة، تنشر مستويات عالية جدا من الذكاء الذي يعين علي اتخاذ قرارات فائقة الدقة بصورة فورية، في كل المجالات، بدءا من التجارة والترفيه والصناعة والإدارة، وانتهاء بإدارة وتشغيل الآلاف من قطع الاسلحة والمعدات والذخائر والبشر والآلات من مختلف الانواع برا وبحرا وجوا بساحات القتال أثناء الحروب والمعارك المباشرة، أو خلال العمليات الأمنية والمخابراتية غير المباشرة، ليتم اتخاذ القرارات.
حينما طالعت صور المتحدثين بالمؤتمر اكتشفت أن المتحدث الرئيسي باسم شركة انتل في هذا المؤتمر لم يكن سوي عمنون شاشوا، المؤسس المشارك لشركة ” موبايل آي” المشار إليها سابقا، أما لماذا أصبح يتحدث باسم انتل، فذلك لأن انتل اشترت شركته المكونة من حوالي 500 موظف مقابل 14.1 مليار دولار في نهاية عام 2017 ( راجع جدول صفقات الشراء المنشور في البوست السابق)، وهو رقم كان وقتها أكبر من آخر قرض حصلت عليه مصر من صندوق النقد الدولي.
لا تزال المعامل البحثية لموبايل آي وموظفيها وباحثيها يعملون داخل اسرائيل، والبحث الذي ألقاه شاشوا أمام المؤتمر باسم انتل، جري تقديمه علي أنه جهد علمي لفريق من الباحثين بالجامعة العبرية في تل ابيب، بالمشاركة مع “موبايل آي” التي باتت مملوكة حاليا لإنتل الامريكية.
هذه قصة من “عين العدو”، تمثل نظرة رأسية في الخلفية العامة للصاروخ الذي اخترق رأس القاهرة، وضرب جبين الوطن قبل أيام ، وأعني به صفقة شراء شركة تابعة للعدو بمقدار 32 مليار دولار، وكتبت عنها ثلاث مرات خلال الأيام السابقة، قصة أضعها فى “عين ” كل مسئول بوطننا، لعل أحد منهم ـ كبيرا أو صغيرا ـ يرتجف أو يطرف له جفن، حزنا وأسى على ما صنع أو شارك فى صنعه من حسرة على وطن، نبحث عن قيمته المهدرة أمام الصور القادمة من عيون عدونا الأول، فلا نجد سوى الفراغ
… قصة من “عين العدو”، أضعها فى “عين ” كل من يحاول التعمية عليها بالحديث عن الروابط العضوية بين الكيان الصهيوني وامريكا، للتعمية علي الفشل المؤلم الذي اوصلتنا اليه نظم حكم متعاقبة اعتقلت عقل الوطن، وكمكمت أجواء البلاد، حتي صارت حكمتها وبصيرتها وعقول صفوة ابنائها ملقاة على الأرفف خلف جدر مظلمة، وبات انقاذ عقل البلاد المعتقل اصعب كثيرا من ميلاده ونموه من الصفر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى