جمال محمد غيطاس يكتب :مصر: مواجهة خشنة كبرى تلوح في الأفق والأمر مسألة وقت

مجريات الأمور على الساحة الآن تشير إلى أن فصلا جديدا من المواجهة الخشنة بين وطننا والصهاينة قادم لا محالة، والأمر مسألة وقت فقط، على الأقل قد تقع المواجهة في الاجل القصير (سنة الي خمس سنوات)، وان لم يحدث، ففي الأغلب ستقع في الاجل المتوسط (خمس الي عشر سنوات)، وإن لم يحدث فمن الحتمي أن تقع في الاجل الطويل (عشر سنوات فأكثر).
أساس هذه الفرضية أنهم في رفعة ومنعة واضحة، ونحن في كبوة واضحة، وعقيدة الهجوم لديهم ثابتة راسخة، وتتحين الفرصة لا أكثر، وعقيدة الدفاع ثابت راسخ لدينا بغض النظر عن متي يرى الصهاينة الفرصة مواتية.
فصول المواجهة الخشنة مع العدو بدأت بحرب 48 ثم عدوان 56 ثم نكسة 67 ثم حرب أكتوبر المجيدة 73، وفيما بين هذه الفصول الخشنة وما بعدها، لم تتوقف أو تهدأ المواجهة اللينة الملتوية بيننا وبين عدونا، مواجهة كان عنوانها وهدفها الأكبر ولا يزال منع ولادة نهضة تنموية مستقلة مستدامة على أرضنا، تقود لحضارة مزدهرة تستند الي القيم التي صدرها وطننا لكل الأرض منذ فجر الضمير قبل آلاف السنين، ومن عناوينها الصغرى الإغراق بالمخدرات العقلية التي تقلب القيم الوطنية والدينية رأسا على عقب، وتضيع الانتماء وتزرع الهمم الخائرة والنفوس المهزومة التابعة، ثم المخدرات الحقيقية التي تدمر الجسد والعقل معا، وفوق كل ذلك حرب الجواسيس، وحرب الاقتصاد عبر السماسرة وحاصدي عمولات السلع المستوردة، الذين دعموهم حتي تسيدوا الوطن علي حساب العالمين في قواعده الإنتاجية بالصناعة والزراعة والبحث والفكر وخدمات التعليم والصحة، وبات سماسرة الاستيراد يعملون كظهير داخلي لسلطة مكبلة لا تستطيع القبض علي مقدرات الوطن ومكانته كالقابض على الجمر، ويعملون أيضا كوكلاء معتمدين للأوغاد، الذين يعتصبون حق الوطن في تنمية حقيقية مستقلة، تحرمه قدرته على المواجهة الخشنة الكبرى المحتمة وان طال الزمن.
نهضة مصر هي الأمر الذي اثبت التاريخ ان وطننا يجيده وقت الازمات والتحديات الكبرى، ويصنع به ما يرقى لمستوى الأسطورة والمعجزة، شرط أن تخلص النوايا وتتوفر الإرادة، وتكون البلاد محصنة داخليا بالعدل والمساواة والكرامة والنزاهة والعقل والابداع،
هذه الحقيقة يعيها اعداؤنا الأوغاد، ومعهم رعاتهم وصانعيهم في الغرب، وأذنابهم ولاعقي احذيتهم في الشرق، ممن هم من أبناء جلدتنا ورضوا لأنفسهم بأن يكونوا دجاجا في عشش الصهاينة، يذبحونه ويلتهمونه وقتما يريدون، ويتركونه ليتناوله بيضه مسلوقا او مقليا وقتما يريدون.
ليس أمامنا من سبيل سوى ان ننهض أولا ثم نخوض معركتنا ثانيا، بكل ما تعنيه النهضة من جهد شاق وعمل دؤوب وقيم عليا واجبة الاحترام، ورؤية واضحة، وعقول مبدعة، وتحركات حكيمة حصيفة، بعيدا عن أبناء زايد وحفدة ابن سلول ومن على شاكلتهم، وبعيدا عن صندوق النقد والبنك الدولي ودول نادي باريس والدول المانحة والدول المانعة، فكل هؤلاء كانوا تاريخيا من صنع الصهيونية وقام على تربيتها حتى توحشت، وأصبحوا حاليا يعتنقونها الي الدرجة التي لم تجعل هناك فرق يذكر بين ترامب ونتنياهو.
قناعتي اننا في الفصل الخشن المقبل من المواجهة سنكون وحدنا تماما، ولا نلمك إلا إيماننا بربنا ووطننا وسواعدنا وعقولنا الحرة المتمتعة بالكرامة والعدل والمساواة، كل الخليج باعنا فعليا وعمليا على قارعة الطريق، سواء في معركة المياه جنوبا، أو معركتنا مع العدو شمالا، أو معركة هدم تاريخنا وقيمنا وحضارتنا وتقزيم ثقافتنا وابداعنا وروحنا الوسطية وتجريف ثرواتنا في الداخل، أو في العمل الدؤوب على هز وخلخلة الحدود من حولنا جنوبا في السودان واليمن وغربا في ليبيا، وعمقنا الشمالي في لبنان وسوريا، والشمال الشرقي في العراق.
من لديه ذرة من أمل في العرب، لينظر إلى صورة مندوبة أبناء زايد عقب الانتهاء من القاء كلمتها في مجلس الأمن ليلة أمس، وسيجدها تتبادل الاحضان والقبلات والعناق مع مندوب الكيان الصهيوني بالمجلس، وكأن نهر الدماء الذي سال من 60 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح في غزة والضفة وجنوب لبنان واليمن وسوريا لم يصنع بينها وبين خدود وصدر المندوب الصهيوني مسافة مقدارها ملليمتر، تمنعها من أن تلقي بنفسها بين ذراعيه. في مشهد يؤكد أننا في مرحلة بائسة، نتعرض فيها لما هو أخطر وأعمق مما حاول أن يفعله أو فعله بنا المغول والهكسوس وتقسيمات سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى.
الخلاصة: وصلنا إلى النقطة التي لا عرب فيها ولا غرب ولا شرق، ومن يراهن على غير ذلك لا يقدر الأمور تقديرا سليماـ ولن يحصل من رهانه إلا على قبض الريح، ولم يعد في المنطقة سوي وطننا، وهي الثمرة التي يخططون لاقتناصها جهارا نهارا لما يقرب من قرن من الزمان، ونحن مصرون طوال الوقت على أن نشرب مياه بحور ومحيطات وخلجان الشرق والغرب بأكملها لنتأكد أن مياهها مالحة.