جمال محمد غيطاس يكتب :زيارة ماكرون: لا شيء عن كل شيء

تابعت الكثير مما نشر عن زيارة الرئيس الفرنسي بالقاهرة، بدءا من لقاءه واجتماعاته مع الرئيس، وانتهاء بجولاته وانشطته الميدانية، فوجدت ما نشر اشبه بحلوى غزل البنات، التي ما ان تمسكها وتضغط عليها ضغطا خفيفا حتى تتحول الي لا شيء بين اصابعك، تاركة ورائها قطرات من سائل ” ملزق” تجد نفسك مجبرا على تنظيفه بما يزيله تماما من بين أصابعك في أسرع وقت.
بعبارة اخري … ما نشر حتى هذه اللحظة في معظمه تغطية هشة لحدث من الوزن الثقيل، تغطية قالت لا شيء عن كل شيء، ومن يدقق فيها قليلا يجد أن حق الشعب في المعرفة خارج السياق، فنحن أمام مقولات سطحية يسوقها سدنة السلطة وحملة مباخرها، أو تحليلات وانتقادات نابعة من وحي أفكار أصحابها، لأن كل من حاول الوصول لما ينطبق عليه الوصف العلمي لكلمة “معلومات” عاد خالي الوفاض بعدما لم يجد شيء.
سواء كنت منبهرا بما جري خلال الزيارة وتراها قد ارتفعت وبلغت ذري المجد، أو كنت منتقدا وتراها هبطت وصارت هيصة أو مولد فإني اسألك: هل حملت لك بيانات السلطة أو مدح المؤيدين أو نقد المعارضين ما يمكن القول إنه معلومات موثقة مدققة، مبنية على بيانات واضحة السياق، لها توقيت واضح، وبها معان محددة قابلة للقياس، ومناسبة لأن تبني عليها موقفا يرفعها الي ذروة المجد، أو يهبط بها الي حضيض ضوضاء الموالد وعشوائية الهيصة؟
بالنسبة لي شخصيا ما نشر حتى هذه اللحظة يشير إلى أن الشعب حرم حق المعرفة، وسلب حق الحصول على المعلومة التي تمكنه من بناء موقف واقعي عقلاني حكيم، يدعم به موقف وطنه وأمته في هذا الوقت العصيب الكارثي بكل المقاييس.
ليس من حق أحد الحجر علي الشعب وسلبه حقه في معرفة الحد الأدنى مما جرى مناقشته والاتفاق عليه، فيما يخص العناوين العامة للأزمة، وسأختار هنا عنوان واحد فقط على سبيل المثال لا الحصر:
ـ ما هو الموقف من وجو د فرقة صهيونية مدرعة بكامل سلاحها وعتادها خلف السلك الفاصل بين حدود رفح المصرية ورفح الفلسطينية، بمعني آخر دبابات وآليات وجنود العدو على بعد أمتار من الحدود، فكيف يتم معالجة هذا الموقف الآن، وكيف نعالجه اذا استدارت قوات العدو وتحركت خطوات او أمتار وباتت داخل حدودنا في دقائق؟
ما هي عقيدتنا القتالية الآن حيال هذا الموقف؟ ماذا قلنا لفرنسا، وماذا أبلغنا الصهاينة، وماذا نفعل على الارض؟
فرقة العدو على الحدود اكتمل وجودها منذ أكثر من أسبوع، والشعب لم يسمع من قيادته السيناريو الرسمي الواضح حيال هذا الامر، والساحة متروكة لاستقطاب واسع النطاق، بين من يصعدون للذروة تأييدا ومن يهبطون للقاع تنديدا.
المجريات على الأرض لا يجدي معها بيانات السامسونج، ولا إعلام الحانوتية الذين قبلوا بأن تكون الصحافة جثة شبه هادمة، إما تطأها النعال تسفيها وخسفا، أو يقتطع منها بعض اوصالها ويواريها الحانوتية الثري بدم بارد.
أن يتم الحديث طويلا دون أن نقول للشعب شيء محدد عن قضية بالغة الخطورة، فهذا معناه أننا نغوص أكثر فأكثر في وضعية هي ايضا بالغة الخطورة، وضعية تجعل السياسة لدينا فيها كل شيء إلا السياسة، والصحافة فيها كل شيء إلا الصحافة، والشعب يصل اليه كل شيء إلا الحقيقة.. وتلك أزمة لا تقل خطورة عن وجود الصهاينة على بعد أمتار من حدودنا.