جمال محمد غيطاس يكتب :نقابة الصحفيين: تبا لكِ ايتُها الانتخابات … سأُقاطِعُك

بدافع الفضول لا أكثر، قمت بمراجعة عينة غير قليلة، من المنشورات التي نشرها عدد كبير من السادة الزملاء المحترمين المرشحين لانتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين، وانتخابات نقيب الصحفيين، وركزت على المنشورات التي قام الزملاء بنشرها عقب زياراتهم لمقار الصحف والمواقع والمؤسسات في جولاتهم الانتخابية، وبعد تصنيف المنشورات واجراء تحليل سريع عليها، وجدتني مضطرا اضطرارا للقول: تبا لكِ ايتُها الانتخابات … سأُقاطِعُك
جاء قراري هذا بسبب التناقض الكبير بين ما نشره السادة الزملاء عقب زياراتهم وجولاتهم الانتخابية، وبين الواقع الفعلي للمهنة واصحابها، فمضمون المنشورات يحمل المعاني والمضامين التالية:
ــ المؤسسات الصحفية القديمة كيانات لا يشق لها غبار، كل منها عريق ثري عميق غني، ذي حول وطول وأداء مبهر مخلص، يحمل المهنة على كتفيه باستقلالية وندية بلا كلل أو ملل أو جزع أو خوف.
ـ المؤسسات والكيانات الصحفية الجديدة تجارب ملهمة مبتكرة إبداعية، بأدوات جديدة، تناسب جمهور عصري، تقفز برشاقة على معضلات التمويل وتغيرات تفضيلات الجمهور، وترشق نفسها في عمق الناس لتنافسهم انفاسهم وافكارهم ونظراتهم للحياة.
ـ قادة المؤسسات القديمة كنوز خبرة نادرة، وماض ناصع وحاضر مؤثر ومستقبل له باع، يملكون صفات القيادة والرشد والحكمة، وقادة الكيانات الجديدة رواد أعمال افذاذ ذوي مهارات ولّدَت تجارب ونماذج تبحر بمهارة وسط أمواج من التحديات العاصفة المتلاطمة.
ـ الزملاء العاملون في كل الجهات شفافون هفافون، يحلقون في الأجواء بخفة الطير، يمارسون مهنتهم بكل حرية، ويقدمون محتوى ثريا عالي القيمة يشكل وعي الجمهور.
لا أشك لحظة واحدة في أن كل ركن بكل مؤسسة وكل صحيفة وكل موقع به الكثير والكثير من السادة الزملاء الذين هم بالتأكيد من أفاضل الناس واكثرهم احتراما للذات وللمهنة، ومدافعين شرسين عن الحقيقة، وحق القارئ في المعرفة، وحق الوطن في المكاشفة.
لكنني في الوقت نفسه أجد صعوبة بالغة في تلقي هذه الخطاب الانتخابي الموغل في الانبهار من السادة الزملاء المشرحين، لأن هناك أوضاع انا على يقين من أن جميع الزملاء في جميع الجهات يعايشونها ويكابدون مرارتها على مدار اللحظة، ويعلمون جيدا أنها تتناقض مع كل منشور او بيان احتفالي مفرط في مجاملته على هذا النحو، وليسمح لي الزملاء بعرض الجانب الآخر من الصورة:
ـ إذا كان الأمر على هذا النحو المخملي الهفاف الشفاف الرقراق المحلق في السماء، فلماذا وكيف سقطت المهنة بفعل فاعل عنوة على الأرض حتى لامس خدها البلاط، وجري خنقها وتكبيلها بكل صنوف العسف والتقييد والاحذية الثقيلة لحملة السامسونج، حتى باتت اشبه بكائن يعاني حشرجة ما قبل الموت، ولو خرج منها نفس عرضا او اجتهادا في صورة عنوان صادق او خبر دقيق وفق معايير المهنة العادية حينما كانت صاحبة الجلالة.. هلل الكثيرون طربا وكأن الروح بدأت تدب فيها من جديد.
ـ إذا كان الأمر على هذا النحو المخملي الهفاف الشفاف الرقراق المحلق في السماء، فلماذا هبط الحانوتية علي رؤوس أغلب المؤسسات والصحف خلال العقد الماضي، وأعملوا فيها سيوف تذبح الحقيقة في الصباح وتدفنها في مقابر الديكتاتورية والاستبداد في المساء والعكس، واعملوا فيها سيوف أخرى تزهق أرواح إصدارات وكيانات عريقة ثرية بحق، وتمحوها من الوجود وتواريها الثري بدم بارد، وسيوف ثالثة تقوض التقاليد المرعية والقواعد الواجبة الاحترام بمعظم مفاصل ودورات العمل داخل المؤسسات.
ـ ـ إذا كان الأمر على هذا النحو المخملي الهفاف الشفاف الرقراق المحلق في السماء، فلماذا يوجد في كل مؤسسة او صحيفة، عشرات وربما مئات من المهنيين الأفذاذ بحق، وضعوا على الأرفف وجرى تجميدهم وتهميشهم وهضم حقوقهم المهنية والمادية، وهرسهم هرسا حتي غادروا على المعاش وفي حلوقهم مرارة، علي المهنة وعلى قارئهم الذي حرم حق المعرفة، او صعدت أرواحهم الي بارئها شاكية ظلم الحانوتية ومشغليهم، أو مئات من الشباب الموهوب، الواحد منهم مهنيا وانسانيا ” يفك ” عشرات من الحانوتية الجاثمين علي صدر المشهد ببرود منقطع النظير، يمسحون على الرسائل الواردة من السامسونج حاملة أوامر الاسياد.
لا يصح التعبير عن الشظف بالترف، ولا يصح التعمية على الأزمة بالتنميق والمجاملة التي تلامس النفاق من أجل صوت انتخابي، لذلك لا أعرف كيف دخل السادة الزملاء المرشحون الي جميع المؤسسات والصحف متجاهلين هذا الواقع المر، ثم خرجوا منها ينشرون نصوصا ترفل في المخمل وترسم صورا حالمة.
الخلاصة: تقديري الذي قد أكون مخطئا فيه، أن الخطاب الصادر عن المرشحين عقب زياراتهم وجولاتهم الانتخابية حمل تناقضا صارخا مع الواقع، وتمييعا غير مقبولا للأزمة التي تعيشها المهنة ومئات الزملاء الذين أفنوا حياتهم في المهنة بشرف، وآلاف من الزملاء الشبان الذين يخوضون تجاربهم ببسالة ولا يجدون ما ” يبل الريق” مهنيا وانسانيا، وكان من السهل على الزملاء المرشحين تبني خطابا مختلفا، اكثر توازنا وموضوعية، وادق تعبيرا عن الحقيقة.
لم اتطرق لما يجول بالمشهد من هجمات وهجمات مضادة، واكاذيب فجة من هذا الطرف ضد ذاك، ووعود هي بقضها وقضيضها كذب واستخفاف بالعقول، وامور تهبط الى حضيض لا تسحقه المهنة ولا يناسب أصحابها، ما يجعل كل هذه الممارسات برمتها لا تستحق الوقوف عندها، فهي في جوهرها اشبه برياح السموم التي تسمم الأجواء.
لهذا فإنني بعدما توقفت قليلا عند الخطاب الانبهارى المفرط في المجاملة للسادة المرشحين جميعا، ليس لدي ما أقوله سوى: تبا لكِ ايتُها الانتخابات … سأُقاطِعُك