من وحي الاحتفالية التكريمية لشعراء الضالع المشاركين في منافسة المسابقة الشعرية الرمضانية للعام ١٤٤٦ هجرية .. أبو علي محمود علي ناصر محمد الجحافي

بادىء ذي بدء ، لا يفوتني أن أتقدمَ بالشكر الجزيل والامتنان العظيم لرجل الخير والعطاء والنجم الساطع في سماء ليلنا البهيم ، الوالد الشيخ / محسن القَشَم الخيلي الشعيبي ، ابن الشعيب والضالع والجنوب البار ، وصاحب الأيادي البيضاء في دروب الخير والداعم للأنشطة العلمية والأدبية والفكرية والثقافية في ربوع الشعيب والضالع عموماً ، في زمنٍ رفعت المؤسسات الرسمية يدها عن انتشال ركام التصحر والجفاف التعليمي والعلمي والأدبي والثقافي ، بل أكثر من ذلك أصبحت هذه الأطر خنجراً في ظهر الاحتياجات التي لا تستقيم الحياة بدونها ، بل إن التعليم والثقافة والأنشطة الفكرية والأدبية هي رئة الأمم والشعوب والمجتمعات وترياق عللها التي تنتابها بجنون في مثل هكذا أوضاع مزرية مكفهرة كئيبة ، تنفث أنفاسها القادمة من الجحيم ودركها الأسفل ، و ترمي بنيران العذاب كأنها جمالة صُفر آتية من أدغال الجحيم المُعتق بسنين البؤس والشقاء ومازالت تعضُ وتقضم أجسادنا بلا رحمة وبلا أدنى شفقة ، في هذا الوضع البائس الذي لم يعد للعقول والكفاءات واللموع والنبوغ في ميادين العلم والمعرفة والثقافة أي اعتبار في مصفوفة سدنة الدجى وأسياد الظلام الذين يقلقهم ويزعج مضاجعهم إشراقات الأنوار وقَبس البهاء ، في أتون هذه المآسي ، تضيء ومضات وإشراقات العقول النيرة والأيادي البيضاء التي جُبِلت على العطاء ، ويبرز مكنون قيمتها في الظروف الأكثر من استثنائية ، ظروف قاتلة تسيرُ وفق إملاءات شياطين تجردت من كل معاني القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية ، فيبرز دور عظماء الرجال وافذاذهم في الوقوف بكل شموخ لمواجهة هذه الهجمات الضارية من قوى الظلام والقتل والإرهاب التي تشنها بلا هوادة ضد مجتمعنا وشعبنا وأمتنا والإنسانية جمعاء ، ثقافة البناء وتسخير كل الطاقات مؤمنة إيمانا عظيما لا يتزعزع بأنها ستصنع فتحة أو تُحدث نافذة في جدار الظلام الذي أحاطنا من كل حدبٍ وصوب كغابة مدججة بأنياب السباع المسعورة ، لكي تستطيع أنوار الشمس الأسيرة خلف قضبان هذا الجدار ، تستطيعُ النفاذ ، لتغدق على الناس بهاء فتنمو ورود قلوبهم وعقولهم ويستبين درب خطواتهم الواعية نحو بناء الإنسان ونهضة الأوطان ، فينعم الناس بسنابل الخير في كل مجال ويعصرون من يانعات ثمار الأوطان شراباً سائغاً لَذة للشاربين من تسنيم الرفعة والسؤدد والعدل والطمأنينة وصروحاً تنهضُ بكرامة الإنسان وحقه في العيش بكرامة وحرية ومساواة ، ينظر بعين بصيرته وبذل الأسباب بعد عون الله وحسن توكله عليه ، نحو السماء وترويض المجرات التي خلقها الله وأحسن صُنعها في هذا الكون الفسيح ، إنطلاقاً من رسوخ قدم لا تزل في اوحال الفساد وغياهب القهر والإجرام وغياب وانعدام الضمائر وكل قيم الإنسانية والأخلاق .
شذراتٌ عابقة بأنفاس الورد وعبق الريحان ، يسيرُ منتدى القَشَم الثقافي التنموي في ركابها ، في مناخٍ يحيطُ بهِ عامة ، أقل ما يوصف به ، بأنهُ وضعٌ منتنٌ ، تجمعت فيه كل جيف الأرض ، تجثمُ بكلكلها على أنفاسنا ، ستظل هذه النفحات بذرة ستُنبتُ سنابلاً سينتشرُ ثمرها في كل زوايا هذا الوطن المعطاء ، تغرسُ هذه النسمات روض القلوب في نحر اللظى التي تحاصر الفجر من كل الجهات ، ستتلاشى أنياب الليل وستصبح أثراً بعد عين ذات صباح آت ، أثقً ببزوغه الوضاء ، هذه الثقة التي لا تتزعزع كالجبال الراسيات ، ثقة بالله الواحد القهار وإن كل ما مر ويمر على رؤوسنا من الويلات ما هو إلاّ ابتلاء وتمحيص .
حضور رسمي مُمَثَل بأعلى هرم في قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي ، الوالدان العزيزان المناضلان والقائدان ، العميد / عبدالله مهدي سعيد رئيس الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي محافظة الضالع ونائبه الأستاذ / قاسم صالح ، تحدث العميد / مهدي كعادته مشجعاً ونافثاً روح العزم في الاستمرار بهذا النهج الذي يُعدُ الرافعة الاستراتيجية لنهضه المجتمع والجزء الأصيل في المواجهة الذي لا يَقل مضاء من جبهات القتال ، عينا وقسمات العميد / مهدي قالتا أكثر مما تحدث به ، وبذات الدلالة تحدثت عينا وقسمات الأستاذ / قاسم ، ومن هذا المنطلق فلا يجوز لأي أحد أن يتجنى على هذين العلمين ليوفي حظ نفسه والشيطان ، ولا نبخسوا الناس أشبائهم على مستوى تاريخ الرجلين ومازال وسيظل هذا التاريخ مشرف متلألأ مهما يُرادُ لقياداتنا أن تكون في زاوية قصية نائية مكبلة اليدين على مستوى الوضع الخدمي والاقتصادي كجزء مهم في الحرب الموجهة ضد نسبجنا في كل الصُعد ، وسيظل رجالات الضالع والجنوب عناوين فخار لن يمحوها الزمن ، وسيظل شعبنا العظيم نبراساً وهاجاً في عمق المواجهة يصرعُ كل قطع الليل المظلم ، وفيما يتعلق بالجانب الإداري والإجرائي فيجب تبيين أي خطأ في الإجراء عن حُسن نية من قبل قياداتنا وتصويب أي إجراء في إطاره الصحيح ، وحماية ظهر قيادتنا من خناجر غدر تتمنى أن يسقط علينا السقف وتفترس أجسادنا وأرواحنا الأنقاض .
كل من تحدث تحدث من القلب إلى القلب ، المتألق الأستاذ والشاعر والأديب الرائع / وليد المزارع الشعيبي والشعراء الذين صدحوا بقوافي اشهى من الشهد وأحلى وأنقى ، وبداية ونهاية بأستاذنا القدير وعلم الأعلام نضالاً وأدباً وثقافة وتربية وتعليم ، وهل يخفى القمر ، أستاذنا المفضال / علي محسن سنان ، نبراس النضال والموقف ومنارة العلم والثقافة ، عندما احتبست دموعه في مآقيه صدقاً وهو الصادق في كل منعطف ، شعرتُ به يروض مشاعره عنوة بلغةٍ باذخةٍ وثقافةٍ عالية صقلتها عقود من العمل التربوي والثقافي لأحد أعلام الجنوب الكبار وسبرت أغواره التجربة ، عُجنِ من منبت شعره وحتى أخمص قدميه بنبل مشاعره ومرهف حسه ، وفي الجانب المقابل أخفيتُ دموعي وأمسكتُ بزمام ترويض الشعور الجارف والمتقد بهذه المشاعر الفياضة ، شعرتُ بشعور جارف وإلى رغبة شديدة بأن اندفعُ بقوة نحو المنصة وأُقبل جبين أستاذنا القدير سنان .
لم تقدم لنا الفقر يوماً أستاذنا القدير سنان ، نحن لم ننظر يوما بمقياس المادة ، فنحن نعلم علم اليقين إن المادةَ لو كانت بيديك لأغدقت بها على كل أرباب الثقافة وأغنيت فقيرهم وكل ذي مسغبة ولبنيت صروحاً من الوهج الثقافي سيكون كفرس رهان أمام أكبر مؤسسة ثقافية في العالم ، أنت أهديتنا منذو أن عرفناك علماً وثقافة وموقف وتربية على مكارم الأخلاق ومازلت أستاذنا ومربينا ومثقفنا وأديبنا الذي نفاخر الزمان به .
تكريمُ الزملاء والأساتذة الشعراء أصحاب المراتب العشرة في المسابقة الشعرية الرمضانية التي احتضنها الفضاء الإلكتروني لأيقونة منتدى شعراء الضالع في حي القوافي لموقع الواتس آب ، كان القاً وثمرة يانعة لحصاد من الرشاقة والجمال والإتقان في هذا الميدان المانع ، تلألأ هؤلاء الفتية والرجال كالنجوم الزُهرِ في كبد الليل ولن تزيدهم الأيام إلاّ إشراقا في فضاء النضال والفكر والثقافة والأدب والعطاء .
أنتهت مجريات الاحتفالية التكريمية ، وبدأت شذرة ونسمة عابقة ، التحمت فيها أواصر المكان والذكريات الجميلة في خمائل الوجدان بأبعادها الوجدانية والإنسانية والوطنية ، خرجنا من قاعة الاحتفالية التي كانت ذروة سنام ثانوية الشيخ زائد النموذجية علوا في الارتفاع ( الدور الرابع ) هبطنا من سلالم الثانوية الخرسانية المُتقنة البناء والإنشاء والتصميم ، هبطنا إلى ساحة المدرسة الأنيقة حيثُ ملعب الكرة الطائرة وكرة السلة ومساحة ملعب لكرة القدم بأرضية أسمنتية ( مرمرة ) جميلة ، ويغطي ملعب الطائرة والسلة عشب صناعي أخضر ( بلاستيكي ) .
وصلتُ إلى حِذاء الساحة بجانب المكان المخصص لكرة القدم وفي طرفيه شباك مرمى بأعمدة حديدية ( شباك بكل اتجاه ) وهنالك فريقين من أبناءنا الطلاب ( طلاب ثانوية الشيخ زائد النموذجية ) فنضممتُ بمعية الزميل والأستاذ القدير / ناصر صالح عبدالله ( أستاذ مادة الأحياء في ثانوية الشيخ زائد ) إلى تشكيلة الفريقين ، هو اختار الفريق الذي على يسار الساحة وانا الفريق الذي يتمركز مرماه على يمين الساحة ( يااااه قل للزمان أرجع يا زمان ) ٣٢ عام منذو أن لَعبتُ كرة القدم في ميدان ثانويتنا الشامخة ثانوية الشهيد محمد ناصر أبو عشيم ، موقع ملعب ثانويتنا السابق لم يكن في نفس المكان ، لم يكن قريب من الصفوف الدراسية ، بل كان بموقع متوسط بين صفوف ( المبنى الأصفر والقسم الداخلي للسكن الأعلى ذي اللون الأخضر والمطبخ المخصص للسكن ( وهنالك القسم الداخلي السكن الأبيض في الاتجاه المعاكس للسكن الأخضر قريب حاليا من مبنى ثانوية الشيخ زائد النموذجية ( حديثة البنات والإنشاء ) محاذي لها من الجهة الشرقية ، وثانوية زائد بنيت في مكان هو جزء لا يتجزأ من ثانويتنا السابقة ( أبو عشيم ) كان عبارة عن مبنيين متجاورين ، المبنى الأول جزء منه مخصص كمقصف وبوفية وجزء عبارة عن شعبتين دراسيتين ، والمبنى المجاور الآخر عبارة عن مخازن لأسرة وفُرُش وبطانيات مخصصة لطلاب السكن الداخلي وقاعة التلفزيون ، وكل المباني ذات دور واحد .
على الرغم من قصر مدة خوضنا غمار المنافسة الرياضية أنا والزميل ناصر مع أبناءنا الطلاب ما يقارب عشر دقائق ، الدقيقتين أو الثلاث الأولى كان الفريق الذي العب في صفوفه لا يُرسل لي الكرات أو أي تمريرة ضناً منهم إني العب في صفوف المنافس ، حتى نبههما الزميل ناصر ، فبدأت تُرسل لي بعض التمريرات من الطلاب وكانوا جميعا ( الفريقين ) قمة في الأخلاق والتهذيب وحسن السحايا والأخلاق الرفيعة ، ضيق المساحة في الملعب ، تقلص محاولة إبراز المهارات الفردية لكهلٍ أنهكته الأيام وعضت مفاصل عظامه وعضلاته السنون والأعوام وعصفت برئتيه أغصان التبغ وأوراقه ، لكنها من أسعد اللحظات التي عشتها طوال ثلاثة عقود من الزمان ، أعلنتُ إنسحابي من المباراة لأبناءنا الطلاب وشكري وامتناني لهم بعدما أشار إليّ أخي وأستاذي وشاعرنا وأديبنا الكبير الدكتور / صالح حمود قاسم عضو هيئة اتحاد الأدباء والمثقفين العرب وعضو هيئة تحرير مجلة النيل والفرات ، بأن نتوجه نحو قلب مدينة الصمود لنيمم وجوهنا شطر سيد جبال الجنوب ( جحاف ) ، وبالمناسبة عندما قَدمتُ صباحاً من قمة جحاف ، التقيتُ بأخوتي الأعزاء والأعلام الكبار الدكتور / صالح حمود وشيخ الإعلاميين والصحفيين الجنوبيين في قلعة الصمود ( الضالع ) أستاذنا الكبير القدير / علي ناجي سعيد ، التقيتُ بهما في قلب مدينة الضالع وتوجهنا بسيارة الأستاذ / علي ناجي سعيد إلى ثانوية زائد ، وعندما أوقف الأستاذ / علي ناجي سيارتهُ بجانب سور ثانوية زائد الغربي بالقرب من الصفوف الدراسية لثانوية أبو عشيم ، خرجنا جميعا من السيارة ووقفنا ننظر إلى مباني أبو عشيم العتيدة ، فلم أجد ما أفاخر به العزيزين ناجي وقاسم إلاّ كوني أحد طلاب هذه الثانوية على إعتبار إنهما درسا الثانوية خارج جغرافية الضالع ( في عدن ولحج ) وهما العلمان الشامخان المتواضعان اللذان لم يختالا ولم يتفاخرا على أحد ، حتى إني لم أقصد أن أفاخر عليهما بأنها مدرستي لكن ذلك ما خِلتُهُ وحَسبتُهُ ، وأنى لي التناوش أمام هذين العملاقين من مكانٍ بعيد .
هنالك شعور جميل ينتاب كل لفتة جمال ووفاء وإشراقة تهفو لكل نبيل أصيل وأنوار تحلق في سماءنا نجوماً ، رغما عن أنفِ الليل