(تملكني البدءُ) .. لامية العويسات

(تملكني البدءُ)
لامية العويسات
تملّكني البدءُ
كأن الحرفَ ما زال يُجرب فمي لأول مرة
وزّعتُ نبضي للنجمات صدًى
ولحظّ الحكاية صمتًـــا
يحاول أن يعقل لبّـــه
كم سردتكَ أيها العمر
مواويلا تتعثّر بالرواية
وفي يمّك
كنتُ أضيع بيني وبيني
كأنني اشعار مؤجل لا يأتي
أراقبك من شقوق الضوء
حين كنتَ تكتبني
ولم تدري أنّيَ الحبر
وأن العكاز الذي تحمل
هو ظلّي
وبين اصابعك يكبر دون أن تنتبه
لا تجزّء قلبك كثيرًا
فإن الرّؤى التي تتقاسمها الصّور
لا تعيد ملامحك
بل تنزف بها قطرة قطرة
إلى أن تفرغ..
فتمضي دوني
أيّها العمر الذي لا يُرادفني
هل ستشرق في النهاية؟
أم أن الشمس التي نرقبها
ما كانت سوى وهمٍ
فوق ورقٍ يبلّــله الحبر؟
هاتِ عكازك وعكازي
قلمٌ خجول
وبعض آية
نزلت خطأً
فانبلجت صفحة مني لم أكن أبصرها
ولا تستعجل الختامَ
فالنهايات لا تأتي
إنها تسفرُ
كما يسفرُ قلبك حين تنسى أن تكتمه
امشِ
واكتبني على السّطور دافئة
فكل الذين كتِــبوا بردًا
لم ينجُ منهم أحد
ثمّ لا تسلني كم مرّة
ألقيت بي في نار القصيدة
عاريةً من كل نداء
كبلدة هدّمتها الرّيح
تحتجب في قلبي قُبابها
وصريخ أنبيائها
وهباء طفولتي حين كنت أنادي الغيم
أن يحملني… ولا يعود
اكتبني
بل انزف من شفير المعنى
كمن فقد لغة الوطن
وبقي يتهجّى اسمه
على حوائط اليأس
أيها السائر في الهشيم
ثمّ
من قال إنّ القصيدة نغمة
هي امرأة
تشتهي رجفة قلبك
لتتركك بعد الولادة
بلا سكن بلا مأوى
لتخبرك أنّك لا تكتب
بل تُجلدُ على عتبة اللغة
وتُبشّر بجملةٍ لم تصلّي لها بعد
أتظن القلب منها يُشفى؟
لا
هو يذوب كتميمةٍ مسروقة
من معبد قديم
خمدت نيرانه
ولم يبق غير وهجك في العيون
فلا يعرفك أحد
يكبّلني المدى
صحت في قلبي حتى تكسّر
ولم يسمعني إلا الرماد
يا أيها العمر
كنتَ مرآتي حين كنت أجهلني
ثم صرتَ ظلّي حين فزعت أن أنظر
أشعلتُ لذاتي من سفورك نارًا
فرأيت وجوه الذين نسيتهم
يبتسمون من خلف اللهب
ويهمسون
“كنا هنا.. منذ البداية”
اكتبني في آخر الليل
كأنني نبيّ خذله وحيه
ولا يزال يصرّ على الصعود
ولو على عصا
وصرخة
وطللٍ من حنين
ها قد كتبتني
فهل عرفت الآن من أكون؟
أنا ابنة للعتمة التي لم تُهزم
وصوتٌ نزل من شقّ الغيم
ليقول للقصيدة
كوني
لا تبحث عنّي في النساء
ولا في الحبر
ولا في آخر الصفحة
أنا كنت
بحر القصيدة كلها
وظننت نفسك سطرًا تائهًا
بين “كان” و”لو
لكن
أيها العائد من عوالم الضياع
أيها الشريد بين الحروف
ألم تدرك بعد أنّني
ما كنت يومًا إلا سرابًا؟
قصيدا يكتبه الريح
وقلب يحترق
تضوّع هباء منثورا
لكن،
هل تراني ضعت حقًا؟
أتظنني في البعد أتلاشى؟
وأنا الماء منساب في الجداول
خذني،
حين تظنني غدًا غيرك
فإنني هنا
في كلِّ حرفٍ ينبض بحياةٍ ثانية
وفي كلَّ كلمةٍ تنبض بشوقٍ
لمن لا يُعود
فإليك،
لك وحدك
هذا الوطن الذي بنيناه معًا
من الوجع
من الحنين
ومن تلك اللحظات الصامتة التي كانت أكثر كلام