أحمد العسكري يكتب :الشرق الأقصى إلى أين ؟!

_ كنت أشعر قبل بداية إستراحة الربيع بأن الأمور لن تسير كما أتمنى ! … فالتجارب السابقه تؤكد أن هناك دائماً مُفاجأه خبأتها يد المقادير لى ! … سواء كانت أزمه صحيه تظهر أعراضُها من غير نغزة صدر تُحذرنى أو أزمه سياسيه تتفجر شُحنتها من غير رنة جرس تُنبهنى !
…. إلا إننى كذبت ظنى _ واهماً _ و حدثت نفسى _ قائلاً _
《 ستمر الأيام صافيه حيث كأس العصير و سِحر الموسيقى و صمت الليل 》
… لكن آمانى اليوم لا تكفى وحدها لضمان هدوء الغد … و بالفعل يوم ٢٢ أبريل تحركت أحداث الشرق الأقصى و هى أحداث لا يُمكننا فهمها قبل تتبُع جذورها ! … فتطورات الحاضر تبقى لُغزاً مُخيفاً إلى أن تفك وقائع التاريخ طلاسمه ! … و هذا ما سأفعله فى النقاط التاليه …
…. □□□□
١) المعروف للجميع أن شبه القاره الهنديه ظلت قرون طويله تحت السيطره البريطانيه التى تغيرت وسائلها بدءاً من شركة الشرق بعُملاءها ! …وصولاً إلى جيش الإمبراطور بمدافعه !
٢) كانت سياسة بريطانيا خلال تلك القرون هى وضع المتاريس بين عناصر الشعب و هذا ليس تماهياً مع تيار المؤامره لكنه كشفاً لنصوص الوثائق …
فها هو حاكم ” بومباى ” _ هارفى ألفينستون _ يكتب فى أوراقه :
” إن شعار _ فرق تسد _ كان سياسه رومانيه و الآن هو سياستنا نحن ”
بل أن وزير خارجية بريطانيا يبعث رساله إلى اللورد ( ألجن ) سنة ١٨٨٣ شارحاً :
” لقد حافظنا على نفوذنا فى الهند بتأليب الأطراف ضد بعضها و لا بد أن نستمر هكذا ”
٣) عقب الحرب العالميه الثانيه بدا واضحاً أن موازين القوى _ التى طرأت _ أفقدت بريطانيا هيبتها _ التى كانت _ ! و أصبح من اللازم التصرف بُناء على الوضع الجديد و بالتالى قررت حكومة ( كلمنت آتلى ) تقليص نفقات الدوله عبر تحجيم الإنتشار العسكرى و عند تلك اللحظه خرجت بريطانيا من الهند .
٤) حينما قررت ” لندن ” حزم حقائبها و تفكيك قواعدها كان التعايش بين مكونات الشعب الهندى أصبح مُستحيلاً و بالتالى صار التقسيم حَتمياً ! …
… و ظهر معيار ” مونباتن ” فالمُقاطعات ذات الأغلبيه البوذيه تكون ” الهند ” و تلك ذات الأغلببه الإسلاميه تُسمى ” باكستان ” ! …. ليتفاوض ” جواهر لال نهرو ” مع ” محمد على جناح ” و تروى محاضر الجلسات أن ” نهرو ” كان يقظاً الى حد التربص ! …فى حين أن ” جناح ” كان مخموراً الى درجة الغيبوبه !
…. و لقد كان معيار ” مونباتن ” قاطعاً فى كل الحالات لكنه بدا مُتأرجحاً فى أربع ولايات :
” حيدر آباد …كبورتهله … جيوكندا ….كشمير ”
و لأن المدن الثلاثه الأولى كانت أقرب بالتكوين الى ” نيودلهى” ضمتهم الهند لتبقى كشمير ! … و كشمير ساحره حيث المساحات الخضراء التى تفرش الأفق المفتوح ! و جداول الأنهار القادمه من قمم الجبال واصله الى سفوحها حباب لؤلؤ ! و رذاذ فضه ! … كما أنها تُحاذى رأس _ الهيمالايا _ و هذا أضفى عليها _ مسحه صوفيه _ فأنت هناك تظل بعيداً عن الأرض بعكارتِها ! …قريباً من السماء ببكارتِها !
… لكن مشكلة ” كشمير ” أن سكانها كانوا مسلمين فى حين أن حاكمها كان هندوسياً ! … و هذا التناقض هو الذى خلق الصراع الدامى الذى يبدو مأساه بلا آخر !
٥) منذ سنة ١٩٤٨ تتعامل باكستان مع ” كشمير ” على أنها الأرض التى ضاعت عبر توليفه عجيبه جمعت تآمر ” هارى سانغ ” مع تغافل ” المجتمع الدولى” و هنا يظهر دور الجيش الباكستانى الذى وجد نفسه عاجزاً عن التصرف الخشن بسبب توازنات الحرب البارده ! و كوابيس الإنفلات الذرى ! … ليُمرر الملف الى ” المخابرات ” التى بدأت تعزف بأصابع فولاذ فوق وتر الجهاد ! … فالمسأله ليست نزاعاً مؤقتاً بين ( الهند و باكستان ) لكنها صداماً أبدياً بين ( الهندوسيه و الإسلام) ! … بين مزامير _ الجيتا_ و آيات _ القُرآن _ ! … بين زُهد الشيوخ فى صحون المساجد! و عربدة الكهنه فى طقوس الكاماسوترا … !!
…. أى أن ” باكستان ” لجأت الى سلاح الدين لضرب نفوذ الهند ! … و ظل الأمر هكذا حتى يوم ٢٢ أبريل عندما تسللت جماعه جهاديه تدربت فى قواعد باكستانيه تحت إشراف جنرال ” عاصم منير ” و نفذت مجزرة “باهلغام ”
…. □□□□
_ كان “مودى ” يتعشى مع ولى العهد السعودى حينما دخل مسؤول كبير تاركاً أمامه ورقه مكتوب عليها بخط مُرتعش 《 مذبحه فى كشمير 》 ليقف فجأة و كأن شُعلة النار قد مست العصب المكشوف ! قائلاً ” أعتذر سمو ولى العهد لا بد أن أُغادر فوراً ” ..
…. مع شروق شمس ٢٣ أبريل هبطت طائرة رئيس الوزراء ” مودى ” على مدارج مطار ” إنديرا غاندى ” ليتوجه سريعاً نحو مقر الحكم 《 راشتراباتى باهفان 》 بادئاً إجتماعاً مشدوداً حيث الأصوات التى تُنادى بالحرب ! و تلك التى تنصح بالتأنى !
و بعد ساعات ثقيله أعلن “مودى” فسخ إتفاقية نهر السند الموقعه مع باكستان سنة ١٩٦٠ .
….□□□□
_ عند صبيحة اليوم التالى طلب ” مودى ” رؤساء الأحزاب الهنديه و أخذ تفويضاً بالتصرف حتى يكون قراره تجسيداً لإرادة دوله كامله ! و ليس تعبيراً عن إنفراد رجل واحد !
…. و بدأت فترة إنتظار طالت بعض الشيء و فى مساء ( ٦ مايو ) أطلق الجيش الهندى العملية ( سيندور ) عبر قصف عشرين موقع لجماعات جهاديه داخل الآراضى الباكستانيه .
…. و دعونى أقف عند اسم العمليه 《 Sindoor 》… فالسيندور هو المسحوق الأحمر الذى تطبعه كل أم على جبهة ابنتها عقب ليلة الزفاف! بعد أن تتأكد بطريقتها من حدوث المُراد ! و وقوع التلاقى ! … أى أن الهند أوحت بهذا الاسم أنها ذلك الزوج الذى مارس حقوقه الشرعيه مع زوجته باكستان !
و لا أريد التفصيل أكثر ! … فأنا أعرف _ من مصادر موثوقه_ أن رئيس الأركان الباكستانى ” عاصم منير ” لم يُغضبه العمل العسكرى بقدر ما أفزعه ” الاسم الرمزى ” … !
…. و السؤال الآن ” هل سترد إسلام آباد ؟ ” و الجواب _ نعم _ و سيكون الرد واسعاً نافذاً الى قلب الهند و ليس خادشاً لصدرِها !
….□□□□
_ قبل نهاية المقال أُريد أن أُشارككم مجموعة تأملات أظنها ضروريه :
١) لا يوجد شك فى أن هناك نقصاً معرفياً فى البيت الأبيض حول هذا الملف و الطبيعى أن ذلك النقص تتم معالجته عن طريق تقارير الأجهزه و تقديرات الخبراء ! … إلا أن المُصادفات وضعت إمرأه هنديه داخل المكتب البيضاوى و أقصد ” أوتشا فانس ” _ زوجة نائب الرئيس _ و كل ما أخشاه أن تحاول تكرار تجربة ” ماتيلدا كريم ” أثناء ازمة يونيو ١٩٦٧ …حيث تحريض السياسه ! … و تزييف الحقائق ! … و تحريك الرجال !
٢) إن رئيس وزراء باكستان الحالى ” شهباز شريف ” هو الأخ الأصغر لرئيس الوزراء الأسبق ” نواز شريف ” الذى فقد عرشه بإنقلاب عسكرى نفذه قائد الجيش ” برويز مشرف ” عندما بدا أنه تردد فى لحظة حسم ! و خاف فى لحظة مواجهه !
و بالتالى فإن ” شهباز ” يريد أن يُثبت للجيش أنه ليس ” نواز ” و هذا معناه أنه لن يوقف إجراءات التصعيد ضد الهند مهما كانت التوابع ! .
٣) إن أكثر ما يُقلقنى فى هذه الأزمه حالة ” الإلتباس ” و الإلتباس حاله تنشاً نتيجة تُوهم كل طرف أنه يتحرك فى المساحه المأمونه بينما هو يتجاوز خطوطاً يراها الطرف الآخر _ حمراء _ و يهز ثوابت يراها الطرف الآخر _ مُقدسات _ !
… و الإلتباس وحده خطير … فما بالك لو حدث فى ميدان قتال ملغوم بالرؤوس النوويه ! … هنا يُصبح أخطر و أخطر ..!!!
٤) إن المسافه بين ” كشمير ” و ” نيودلهى ” ٨٠٠ كم ! …بينما المسافه بين ” كشمير ” و ” إسلام آباد ” ١٠٠ كم ! … أى أن باكستان لا تملك عُمقاً يُغطيها اذا انكشفت ! … و هذا يجعلها تتصرف بنزق رجل ظهره الى الجدار ! … فالعصبيه حاضره _ ثانيه بعد أخرى _ مثل إلحاح الناموس فى غُرف الصيف …!
….□□□□
_ هذه كانت رؤيتى لأزمة الشرق الأقصى … و هى أزمه تتطلب مزيداً من الحكمه عند الفعل ! …و قليلاً من التهور عند الإختيار …. !