كيان زائف ….قصة قصيرة بقلم محمد الصباغ

I “”
1
كان عليه لكى يستطيع أن يواصل الحياة ، أن يبدو مختلفاً عما كان وأن يصنع شيئاً مختلفاً عما اعتاد أن يفعل ؛ كان عليه أن يصفي قلبه من الهموم والذكريات والأحداث المؤلمة القديمة والآنية ؛ وقد اقتنع أن التصفية لابد أن تكون بعد عمل جدي ؛ لقهر الأشخاص الذين تسببوا له فى أكبر قدر من الألم فى حياته ؛ كانت القائمة طويلة ولكنه اختار ثلاثة أشخاص من ماضيه ومنمن بقوا فى حاضره من بين الأشخاص الأكثر إيلاماً له ، فى ذكرياته وفى حاضره ؛ وقد عاشرهم وعرفهم وخبرهم حق المعرفة ، وقد عقد العزم علي سحقهم ؛ بتصدير الخوف إليهم فى حياتهم وأن يعمل على هدم الكيان الزائف الذى صنعه كل واحد منهم لنفسه ؛ دون أن يكون هو ظاهراً فى تهور ودون أن يكون مختبئاً فى جبن ؛ وبحيث لا يكون مكشوفاً حتى ؛ للمرصودين من مجاهرته بكشفهم .
2
كانت قد جمعتهم رفقة مشتركة فى البدايات ، وعاشوا معاً فى حياة مشتركة وكأنهم “أخوة ” وقد استغل كل من الثلاثة رباط الأخوة فى وقت عوزه ؛ وفى وقت إحتياجه وفى وقت إكتشاف الطريق ، فقد كان هو أيسرهم مالا وكان هو صاحب المكان الذى يتجمعون فيه . كانوا كأنهم أخوة وكأنهم أصدقاء وكأنهم فى تنظيم سري خاص ؛ يعمل لكل الإنسانية وخاصة من أجل الناس فى بلدهم ؛ دون أن يضر ذلك بالناس في أي بلد آخر ؛ ومن أي جنس أو عقيدة دينية محددة ؛ أو حتي ولو كان أصحاب هذا البلد الآخر والعقيدة الأخرى المختلفة : عنصريون ولديهم أسباب ذاتية فى إشعال الصراعات على مستوى العالم .
بعد فترة قصيرة من إنخراط كل منهم فى عمله ؛ لاحظ هو أنهم قد تسربوا إلي أجهزة الدولة السرية ؛ أو أن أجهزة الدولة السرية قد تسربت لهم وشفطتهم داخلها للعمل معها وطوعها وأصبحوا من ضمن أدواتها المستخدمة . لم يكاشف أي منهم بأنه قد خبر نشاطهم الجديد وأنه قد كشفهم وأنه قد أيقن أنهم قد أصبحوا عملاء للأمن بشكل أكيد ، ولا يتحركو إلا بتوجيهات الأجهزة الأمنية .
3
على فترات إتمتطت وانبعجت فى الزمن ؛ كان تفرقهم والذى لم يحدث أبداً فى شكل قطيعة ولكن كان هناك لقاء فارق ؛ فقد واجهه ثلاثتهم نيابة عن الآخرين وقالوا له :
” إن أفكارك أصبحت خطيرة جداً ، والأمن يستشعر الآن الأفكار الخطيرة ؛ التي تهدد استقرار المجتمع ويطاردها فى عنف أصبح طبيعياً معتاداً بلا حساب ولا عقاب عند القسوة فى الفعل ، ولن تجد أحداً ينشر لك فى داخل البلاد ؛ الأمن يستشعر الأفكار الخطرة ؛ حتى وهى فى جوف عقل صاحبها .
عندها كان قد أدرك أنهم ” وشوا ” به ؛ وهم أنفسهم من وراء حصاره ، وأنهم هم المنزعجون ؛ بما كان يردد في مجلسهم وبما كان ينشر وكان الأمن يقبل ما يطرح وينشر ؛ بإشارات تحذير ؛ تأتي من وقت لآخر . ابتسم ساخراً فى وجوههم وقال لهم :
” أنتم هكذا معشر المذعورين ؛ تخافون من صوت الطعام وهو يُهضم داخل أمعائكم ؛ وتخافون من ظلكم وكأن الظل يمسك المسدس ويستعد ليطلق عليكم الرصاص من قريب !! “.
وقالوا له على الفور وبكلام قاطع :
” تذكر بعد ذلك أننا قد نصحناك ، قبل أن يشتعل الخطر ؛ إنك تخطط لشىء نحن خارجه ونعلن ذلك منذ الآن ؛ وطالما أنت فى هذه الحالة فإن صداقتنا مؤجلة ” .
– هكذا تبيعونني بسهولة ومن أجل الخوف ؟! .
– ” لابد أن تظل نوبة جنون أفكارك هذي داخلك ؛ البلد مهدد الآن وفى حالة تمزق ؛ والأفضل لك أن تسافر فى هدوء خارج البلاد ؛ وإلا سوف يكون هذا الحل متعذراً ومتعثراً أيضا ؛ بما تشيعه أنت من لغط حول نفسك !! “.
– لكم ما تريدون : ولكن أين هى فرصة السفر الآن ؟!
– “إذا فلتبقى هنا جامداً متجمداً على ما في داخلك ” .
4
كانت الحياة قد جرت بتسارع شديد بعد هذا اللقاء ؛ وأصبح الأول ملازما لابن الحاكم الأول فى البلاد ومسئولا عن الدعاية له والتمهيد لكى يرث الحكم من بعد أبيه ، وكان الثاني قد انخرط فى مشروع سري يجيز للحاكم الديكتاتوري الطابع والمقصد أن يستمر فى الحكم ؛ إلى أن يتوفاه الله بعد مُدد رئاسية غير محددة ؛ تحت إدعاء أن الحاكم يحوز الشرعية بكثرة الإنجازات لا بالنصوص الدستورية ؛ وأن بقاءه لازماً مادام يقوم بمهامه فى القضاء على أعداء الشعب . وقد أصبح الثالث قائماً على مشروع يحقق له الثراء ؛ ويبرر التربح من الفاسدين ؛ لكي يستمر الكيان الدعائي السلطوي الخاص الذي يديره ؛ وهو يتربح أيضا من السلطة الديكتاتورية بتقديم الخدمات لها .
بعد أن افترقوا وظل هو على معتقده ؛ بينما استفحل الأثر المدمر لثلاثتهم ؛ سواء متفرقين ؛ كل واحد وعمله ؛ أو بإجتماعهم فى أعمال مشتركة ؛ غايتها خدمة من فى السلطة والتربح من ورائه . كانت الفكرة لديه قد نضجت عما كان يعتقد سابقاً وأصبحت الفكرة الجديدة ، هي أن يعمل أحد على هز “المخوخين ” الذين يراهم فى الحياة والذين أصبح يراهم بوضوح ومنهم أصدقائه السابقين . وكانت الفكرة فلسفية أكثر منها فكرة عقابية ؛ وهى تتمثل فى إيصال رسالة قوية ومؤثرة تقوم ب” هز وعي المستهدف وإيقاظه ” بأنه مازال على قيد الحياة وأنه فى لحظة قد يفقد هذه الحياة ؛ دون أن يتمكن من استكمال عمله أو إصلاح الفاسد منه ؛ وأن حياته مهددة جداً ؛ لأن أحداً ما قادراً على جعله خارج الحياة ولكنه أبقاه ؛ لكى يتأمل هو نفسه : دوره فى هذه الحياة ؛ وأنه ليس مقبولا ما يفعل ؛ وأنه ربما يكون مضراً بما يفعل .
5
استعرض الأسماء التى من حوله والتى يمكن أن يستعن بها فى معاونته ؛ فى تحقيق فكرته وتحويلها إلي شىء مؤثر فيما يجري من واقع لا يرضيه ، وربما يقتنع من يضمهم لتنفيذ فكرته بجدواها وأنهم سوف يساهمون بجدية فى وقف الإنحدار والإنحطاط وفى وقف التفلسف فى تبرير الخيانة ؛ بيقين أن تبرير الخيانة هو تعميق لها وخيانة أشد .
كان قد أصبح على رضا كامل بما وصل إليه من تفكير واعتقد ؛ حتى ولو لم يشاركه أحد آخر فى التنفيذ أو فى المساندة ، وتذكر مقولة كان قد قال بها ؛ كما أنها هى ذاتها قد قيلت له فى زمنه الماضي ولكنها أصبحت تُوصف حاله وتدبره فيما يحدث فى زمنه الحالي :
” لست فى عراك مع الحياة ، وكل البشر ليسوا أعداء ، اختر أعداءك ولا تستنزف نفسك فى حربهم مالم يحاربوك .. صرنا نخوض الحرب ضد أنفسنا ، وضد أهلنا وضد أصدقائنا وضد شعبنا وضد الإنسانية فى الإنسان ؛ وننسى أن نخوض الحرب ضد أعداءنا الحقيقيين ” .
” إن المعضلة الآن ونحن نجري على منزلق الخطر : قبل أن ينطلق المدفع الأول والرصاصة الأولي فى الحرب الأهلية : فهل هناك متسع من الوقت ؛ يكفي لإخماد البارود فى ماسورة المدفع قبل أن ينطلق ؟! ” .
6
فى ذات اللحظة ؛ لحظة تأمل وتدبر الكلام الذى كان يقوله ويردده على الآخرين ؛ والذى ردده عليه أحدهم ، يذكره به ويقوله كأنه هو قائله . تذكر هو فى لحظته الحالية أن الواقع الآن مختلف عما كان وأن الكلام هذا ذاته خطر وأن عليه هو أن يغيره وأن يعيد استخدامه بعد تغييره ، وأن عليه هو شىء لابد أن يحدثه ؛ ليكون شرارة التغيير .
“إن مشكلة الدنيا كلها في الحكم الديكتاتوري والحكم السري ، ومشكلتها فيمن ينجبهم الحكم الديكتاتوري من أولاد السفاح ومنمن يربيهم الحكم الديكتاتوري فى مراعيه الأمنية !! ..” .
وطرح على نفسه أن يناقش فكرة العنف فى مواجهة عنف السلطة وعنف الديكتاتورية ؛ وهل يجوز مواجهة الديكتاتورية بالمقاومة المسلحة ؛ كما تكون شرعية مقاومة الإحتلال الأجنبي بالمقاومة المسلحة ؛ ومخاطر أن تتوسع هذه المقاومة إلى حرب أهلية تتوسع بتوالي الحوادث .
بعد تأمل داخلي لأفكاره الفوارة ؛ وصل إلى اعتقاد جديد أن
حاجة المجتمعات إلى العنف مثل حاجاتها إلى الإستقرار والسلام ؛ كلا الحالتين لازمتان ؛ لكى يعم فى النهاية حالة من التوازن بين الأفراد نتيجة قدرتهم على القصاص السرى من بعضهم البعض ، بعيداً عن النظام العام للدولة ، وقد تتجه حالة القصاص من السلطة إلى أفراد السلطة نفسها ، عندما تكون السلطة مستبدة ، أو أنها تستغل الإطار العام للدولة وتستغل أساليب السلطة وطبيعة قوة المؤسسات فى الدولة في حد ذاتها .
7
بات أميل للإقتناع بجدوى أن على الأفراد فى المجتمع فى وقت التغيير ومن أجل التغيير ؛ عليهم أن ينشئوا المنظمة “الإرهابية الإنتقامية الجهادية ” الخاصة بهم ؛ فى مواجهة منظمات السلطة السرية . فالديكتاتوريون وسفاحوا الشعوب مكانهم عند أقدام الشعوب ؛ إلا عندما ينقلب الناس أنفسهم وتصبح رؤوسهم أسفل وأعينهم من الإنقلاب أسفل ؛ بينما تكون أرجلهم مشرعة رخوة فى الهواء . وعندما تستعلي الديكتاتورية بأكثر من قدرتها على الطيران ؛ فلابد أن يبدأ إطلاق الرصاص عليها لإصطيادها وإسقاطها على الأرض ؛ فالأفضل أن تتحطم الديكتاتورية على الأرض ؛ لا أن تتحطم فى الهواء ؛ فيتحطم بحطامها كل الوطن .
ودائما التكلفة فى إنفاق الدول الديكتاتورية ؛ ضائع على أمن الديكتاتور وحمايته وحماية النظام من الإنشقاق على النظام ؛ وهى ضائعة على مبددات ثروة البلاد ؛ بالتوسع في الإنفاق على لاوازم وخواص الديكتاتور .
فى الماضي كان شرف الديكتاتور في ألا تُرفع الأسعار فى عهده ، وكان شرفه فى أن يكون هو مصدر عطاء الطعام لشعبه ؛ حتى ولو كان الشعب يشتري الطعام منه مقابل الطاعة التامة . الآن وفى عهد الديكتاتوريات الفاشلة ؛ فإن كل الخطايا ترتكب ؛ بما فى ذلك استنزاف الفقراء وحلبهم وجلدهم أكثر وأكثر بكل فعل تحدثه السلطة . وأصبحت مجموعات السلطة ومجموعة الأغنياء ومجموعة المنتفعين ومجموعة المهترئين ومجموعة المتآمرين ؛ شركاء فى هدم الدول وشركاء فى استغلال السلطة لصالح من يوجههم ويجزل لهم العطاء . ولكن رغم كل ألم : علي الإنسان أن يعيش الحياة فى أي مكان وفى كل وقت بحب وشرف وصدق وبمقاومة لكل مظاهر الإختلال .
إن أنطاع الوطن ؛ ينافسون غلمان الوطن على خراب الوطن ؛ وقد ضاع فى هذا الصراع الداخلي الجانبي والمُحرك بعض تفصيلاته من الخارج ؛ كل فقراء الوطن : “يا أيها الوطن متى تنهض من بين أقدام وحوافر بهائم الوطن” ؟! .
لم يسع بالطبع إلى إشعال شرارة الحرب الأهلية والإجتماعية المسلحة ولم يكن هذا فى ظنه وفى قدراته ؛ ولكنه كان مع إيقاظ المجتمع وتنبيهه لخطورة ما يتم تدميره ” تحت ظلال الديكتاتورية ” .
8
بدأ العمل بهمة واضحة ضد ثلاثة أصدقائه السابقين ؛ وكان محركه ضدهم أولا : هو قدرتهم على التلون والتشكل واستغلال كل وضع وبيع الجهود لكل نظام ؛ دون الإنتماء ودون ولاء حقيقي ودون تذكر لما قالوه أو فعلوه سابقا .
وجدوا أنفسهم تحت هجوم شديد فاضح في محيط عملهم وأولادهم وأماكن سمرهم . ثم جهز نفسه لملاحقتهم : بتهديهم بإطلاق وهمي بالرصاص ؛ وقد بدأ بالأول الذي كان هو الأكثر غلظة من بين الثلاثة ، وترصده أمام منزله وأطلق عليه الرصاص فوق رأسه بمسافة كافية ؛ لكى يتأكد أن الرصاص لن يصبه ولكن لكى يحدث داخله فقط الرعب الذي يرغب أن يحدثه فيه ؛ ويجعله يظن أنه فعلا يتعرض لعمل إنتقامي من شخص يكرهه ويكره وجوده . وذهب إلى الثاني وفعل معه مثلما فعل مع الأول . وذهب إلي منزل الثالث لكي يترصده ويطلق عليه الرصاص ؛ ولكنه وجده يتأهب لركوب سيارته وقد دلف ليجلس فى المقعد الخلفي ؛ بينما السائق يستكمل وضع حقائب السفر فى حقيبة العربة ؛ فأطلق الرصاص فى عجالة وتعمد إصابة إحدي عجلات العربة ؛ حتي يعيقه عن السفر .
9
بعد أن فرغ من جولة التهديد الثلاثية بالقتل ؛ التي استغرقت يومه كله ؛ قفل عائداً إلى بيته لينام ؛ على أن يتابع فى غده أثر ما فعل على المرصودين الثلاثة . وفي الصباح بدأ جولة تتبع أثر ما فعل . ونزل إلى الشارع ومن تليفون عمومي غير متكرر أجرى إتصالاته التليفونية فى منازل الأشخاص الثلاثة ، ولدهشته لم يجد لإتصاله من رد فى المنازل الثلاثة ، وقد أحبطه أن لا يجد رداً يستشف منه زعراً فى نفوس ومنازل من يستهدفهم ، ثم ذهب ليتناول فطوره في نفس ” الكافيه” الذى إعتاد أن يأخذ فيه قهوة صباح كل يوم ، وأمسك بالجرائد التي طلبها ليطالعها مع القهوة ؛ وكم كانت دهشته بالغة عندما وجد أثر ما فعل بالأمس مسجلا فيما طالعه من جرائد : فقد كان الشخص الأول الذى أطلق عليه الرصاص لمجرد إخافته قد لقى مصرعه وفق ما أوردت الجريدة بعد إطلاق نار عليه من مجهول كان يترصده . وكان ذهوله أشد عندما قرأ أن الشخص الثاني الذى كان قد أطلق عليه الرصاص قد إنتحر هو نفسه بإطلاق الرصاص على نفسه داخل منزله ؛ بعد ساعة من التوقيت الذى أطلق عليه هو فيه الرصاص لإخافته .
10
تملكه الرعب فهو بيقين لم يصب الشخص الأول ؛ وبتخمين ربما كان إطلاق النار على الشخص الثاني قد حفزه لإطلاق النار على نفسه تخلصا من حياته التى كان قد ملها بالشر الكثير الذي صنعه فيها . ولكن ما جعل قلب مطلق الرصاص يضطرب ويخفق بشدة ويكاد يتوقف ؛ عندما طالع أسماء ضحايا حادث الطائرة الذى حدث فى الأمس والذى وقع بعد ساعات قليلة من إطلاقه الرصاص على الشخص الثالث والذى كان على وشك المغادرة وقد أعطب له العجلات الأربع ولم يكن أعطب له إلا عجلة واحدة ؛ كان هذا الشخص ذاته هو أحد ضحايا الطائرة التى تحطمت أثناء إقلاعها وكانت هى بديلة الطائرة الأساسية التى فاتته بتأخر ذهابه للمطار ؛ بعد أن أعطبت عربته .
11
حاول أن يتحرك من فوق الكرسي الذى يجلس به إلى المنضدة ؛ التي كان يجلس عليها يتناول قهوته وبمجرد أن وقف سقط على الأرض ؛ وقال بصوت خافت إلى الذين سارعوا لإنقاذه من السقوط : ” إن قلبي قد توقف فجأة ولكنه الآن قد عاود الخفقان الشديد ؛ أريد فوراً الذهاب إلى أقرب مستشفى . تأمل المصادفة فى موت الثلاثة ؛ مؤكد بالنسبة له أنه لم يصب الأول بالرصاصة الوحيدة التي أطلقها عليه ؛ ولكن ربما كان إصطدام الرصاصة بالحائط الخرساني الذي كان ورائه جعلها ترتد وتصيبه ؛ ولكن المؤكد أنها ليست رصاصة قاتلة وربما أخافته إلى درجة أن الخوف هو الذى قتله . وأما الثاني فلديه الكثير من تأثيم الضمير الذى يجعله يقتل نفسه ؛ ليس الآن فحسب ؛ بل كان ذلك مفترضا منذ سنوات لو كان قد استيقظ ضميره وهاجمه ندمه ؛ وربما تكون الرصاصات التى أطلقها عليه قد أيقظت له ضميره . وربما يكون هو مسئولا عن الصدفة التى أودت بحياة الثالث ؛ لو كان هو فعلا قد أعطب العجلات الأربع للعربة وتعذر عليهم إيجاد بديل فى وقت مناسب ليلحق بطائرته وميعادها ؛ ولكن المؤكد بالنسبة لمطلق الرصاص أن صريع الطائرة ؛ قد صرعه قدره الذى أفلت منه الطائرة الأولى الناجية وألحقه بالطائرة الثانية المحطمة ؛ ليلقى مصرعه .
وبينما هو فى داخل العربة التى تقله إلى المستشفي وسط المسعفين ؛ توقف قلبه لمجرد خاطر أتي إليه ؛ بعد أن تأمل للحظات الحوادث الأخيرة برؤية أخرى : أن الحوادث كلها وبالكيفية التى حدثت بها ربما يكون مرجعها أن قوة سرية تعمل فى خيفة ؛ من بين القوى التي تعبث فى دهاليز السلطة ؛ قد أدركته وأنها وظفته ليصنع دون أن يدري ما صنع وأن يكون قد ارتكب وفعل هو ظاهرياً ما فعل ؛ بينما هي كانت القوة صاحبة الفعل ؟! .