رؤي ومقالات

عبد السلام بزار يكتب :الوعي الجماعي

إن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يعني بالأساس موت المعجزة، فموت المعجزة يعني مباشرة موت الوعي الفردي. لهذا من الواجب علينا اليوم الحديث عن الوعي الجماعي بعيدا عن الوعي الفردي، لأن الوعي عبارة عن طبقات حيث يبنى عبر الزمن والمكان، فالمحيط له دور كبير في بناء وعي الفرد. بدءا من:
العائلة التي تعتبر المصدر الأول للوعي لدى الفرد؛ فحينما تجد مثلا الأبوين مثقفين فإن الفرد أو الطفل الذي يترعرع وسط هذا الجو الثقافي يسهل عليه بناء وتطور وعيه.
المدرسة، تعد المدرسة هي المرحلة الثانية من مراحل تكوين ونمو الوعي لدى الفرد. لهذا وجب على كل الجهات الوصية التي لها اليد العليا على المنظومة التعليمية والمناهج البيداغوجية أخذ بعين الاعتبار أولا الهوية المحلية للفرد التي تتمثل أساسا في اللغة، فمن المستحيل الحديث عن الوعي بعيدا عن اللغة الأصلية للفرد التي تعتبر المكتبة الذاكراتية للفرد التي يخزن فيها تاريخه وتقاليده وأعرافه .. فالذاكرة عبارة عن تلك القنطرة التي يربط بها الفرد ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله.
فباللغة المحلية استطاعت الكثير من الدولة تحقيق وعيها الجماعي الكامل الذي انعكس بشكل إيجابي على كل مناحي الحياة ( سياسية، إق، إج …).
جنبا إلى جنب يجب على هذه الهيئات تكوين وتهيئ الأطر المشرفة على هذه الناشئة خاصة في ما يتعلق بالخلفيات والايديولوجيات الفكرية التي تؤدي بالمدرس إلى التعصب الأعمى لاتجاه على حساب الاتجاهات الأخرى مما يجعله يعيش في تقوقع فكري ووعيي، مما يؤدي به إلى تمريره بشكل صريح أو ضمني إلى الناشئة، مما يجعل هذه الأخيرة تشاهد الواقع بنظرة المدرس، وهذا يؤدي بها ـ الناشئة ـ إلى عدم تكوين صورة متكاملة حول ثقافتها وتاريخها ومحيطها الفكري، وكذا صورة كونية عن العالم ككل.
موازنة مع المدرسة نستحضر دور:
الإعلام الذي يلعب دورا كبيرا في التأثير على الوعي الفردي إما إيجابا أو سلبا، وهذا يعتمد على نوع البرامج التي يبثها إما برامج من الدرجة الأولى الهادفة التي تسعى بالأساس إلى تنمية وعي الفرد انطلاقا من برامج الأطفال مرورا بالفن بمختلف تلوناته كالموسيقى التي تعد هي المقياس الذي تُوكل به درجة وعي المجتمع؛ فكما يقال إذا أردت أن تعرف ما مدى وعي مجتمع ما فانظر إلى موسيقاهم. بالعودة إلى موسيقانا نحن المغاربة التي تبث على قنواتنا الإعلامية فإنها تهتم أساسا على بالجانب الجمالي الشخصي لدى الفنان بغض النظر على ما يقوله. ولا يجب أن ننسى نوع الأفلام السينمائية التي تبث على الشاشة العمومية هذه الأفلام وللأسف تحاور فئة معينة من المجتمع لا غير نظرا للرسالة التي تحمها والتي لا تبت بصلة للثقافة الجماعية للمجتمع، وما زاد الطين بلة هو دبلجت الأفلام الأجنبية الخادشة للحياء تحت ذريعة الانفتاح على ثقافة الأخر، وبهذا تكون قد لوت عنق الثقافة المحلية والوعي الجماعي بهدف مواكبة ثقافة الغير.
أخيرا وليس أخيرا في هذا الجانب نشير إلى البرامج الثقافية التي لا نشم حتى رائحتها فكيف بنا أن نراها اللهم إلا نزير لا ينبث نباتا ولا يسقي وعيا.
أخيرا نصب برامج الإعلام في إناء أبو الفنون المسرح سيد الوعي حامل لواء الوعي الجماعي والذاكرة الجماعية للمجتمع، وإن كان لنا تحفظ في المسرح المصور أو المبث لأن أصل المسرح هو المباشر هو المواجهة هو مشاهدة الفضاء ككل، ليس بعين الكاميرامان الذي يجزئ الكرخ. إن المسرح اليوم قتلته الآنية والسرعة والاختصار الذي يتمثل في (السكيتشات) فالمتفرج لم تعد له القدرة على الجلوس أو الذهاب إلى فضاءات المسرح فيكفيه أن يشعل التلفاز أو الهاتف ويسافر عبر الساحة الفنية العالمية.
إن الهدف من المسرح منذ نشأته هو التوعية هو محاكاة هموم المجتمع والمساهمة في تطور وتلاحم الوعي الجماعي والذاكرة الجماعية ناهيك عن استحضار الماضي وتشخيص الواقع واستشراف المستقبل.
إنه لا يمكن الحديث عن المستقبل دون المرور أو اجتياز حاجز الحرية.
للحديث عن الحرية لابد من استحضار قولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ قال” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار”
إن الإنسان يولد صفحة بيضاء يكون حرا من كل قيد أيما كان، لهذا تجده يدافع عن هذا الحق بكل ما أتي من قوة، بل على حساب حياته، وهذا ما أخبرنا به التاريخ منذ أن كان الصراع عموديا. يتصارع فيه البشر مع الآلهة هذه الأخيرة التي حاولت إخضاع البشر والسيطرة عليه وتعبيده، لكن غريزته التحررية دفعته للتحرر منها.
إلى أن انتقل الصراع إلى صراع أفقي؛ أي بين بني البشر الذين ينتمون إلى طبقات مختلفة بدءا بالطبقة الناعمة والغنية وصولا إلى الطبقة المغضوب عليها مما يجعلها دائما في صراع مع الطبقة الأولى من أجل التحرر من السيطرة والعيش بحرية مطلقة.
إن في الإتحاد قوة، ومن أجل الحصول على الحرية يتوجب على الأفراد الإتحاد فيما بينهم من أجل الحصول على هذه الحرية لأنه لا يمكن أساسا الحديث عن الحرية الفردية دون الحصول على الحرية الجماعية فبداخل هذه فقط يمكن للمرء أن يحظي وينعم بحريته المطلقة، لكن شريطة أن يتم هذا في قالب الوعي الجماعي، فالحرية بدون وعي تعد فوضى، وهذا ما نلامسه من خلال الواقع، فالشعوب التي لم تستطيع تحقيق وعيها الجماعي الكامل تعيش اليوم نوع من الفوضى، وأنها لم تحقق بعد الحرية الجماعية المبنية أساسا على الخلق والإبداع، وليس على الأكل والشرب والغريزة الحيوانية في الإنسان.
إن الكل اليوم يتحدث عن حرية المرأة، وهذا شيء أكثر من رائع المرأة يمكن لها المساعدة في نشر الوعي والتعريف بالحرية من خلال طريقة تمريرها للخطاب لأن مثل هذه الخطابات تحتاج إلى كثير من العاطفة واللطف.
إن الوعي الجماعي والحرية الجماعية وجهان لعملة واحدة فلا يمكن أن يستغني أحدهما عن الأخر.
فما إن تستغني الحرية عن الوعي حتى نحصل على عدد كبير من أطفال الشوارع وعددا أكبر من المتشردات اللواتي عصفت بهن الحرية إلى تحمل مسؤوليتهن وحدهن في كل ما فعلنهن باسم الحرية. لأنه بكل بساطة نعيش الحرية بعيون الأخر ذلك الأخر الذي بنى حريته انطلاقا من وعي جماعي يتحمل فيه كل واحد مسؤوليته.
إن المسؤولية تجعل من المجتمع مجتمعا واعيا يهتم بحاضره ولا ينسى ماضيه ويخطط لمستقبله.
إن المستقبل يحتاج إلى رؤية، وهذه الرؤية تأتي من وعي جماعي، وهذا بدوره يأتي من حرية جماعية مبنية على الفكر الحر والإبداع.
إن ما ينطبق على الوعي والحرية ينطبق على المستقبل، إذ لا يمكن الحديث عن المستقبل الفردي خارج إطار المستقبل الجماعي.
لنأخذ مثلا فردا ما من دولة عربية هل يمكن لهذا الفرد أن يحقق مستقبله المبني على الحرية الفكرية والعيش بكرامة بعيدا عن مستقبل الشعوب العربية التي تتجرع ويلات الذلقراطية من قبل حكوماتها التي تشرب كأس الذل من سلطوية القوى الكبرى التي لها الدور الكبير في بقاء هذه الحكومات في مناصبها رغما عن إرادة الشعب الذي يرى أن مستقبله لا يبشر بخير، وأنه مرهون من قبل الدول الإمبريالية الكبرى ناهيك عن وحش الرأسمالية.
إن الإنسان العربي لا يمكن أو ليس له الحق في الحديث عن المستقبل إن لم يتم كسر الحدود الوهمية التي رسمها الاستعمار الغاشم للتفريق بين دول لها دين واحد ولغة واحدة … لكن هذه الحدود لا يمكن خرقها ما لم تكن هناك إرادة قوية لدى الشعوب العربية من أجل التغير، لأنها هي من تملك مفاتيح التغيير. تغيير أولا نمط تفكيرها ثانيا تغيير المنظومة السياسية الصورية التي تستطيع سفك دماء أبنائها من أجل الحفاظ على مكتسبات أولاة أمرها.الذين يضمنون لهم البقاء في كراسيهم المريحة. إنه لمن المحزن حقا الحديث عن مستقبل عربي بدون تحرير فلسطين.لأن مستقبلنا جميعا مرهون بتحري فلسطين من يد الصهاينة الغاشمين، وكذا تحرير باقي أقطار الدول العربية من مرحلة ما بعد الاستعمار الذي يعد أخطر من الاستعمار نفسه.
عطفا على ما سبق لا يمكن الحديث عن المستقبل الفردي في غياب المستقبل الجماعي، كما أنه لا يمكن الحديث عن الوعي الفردي دون استحضار الوعي الجماعي فنحن لم نعد في زمن الأنبياء حيث يأتي الوعي وحي من الله عز وجل، الذي منح للإنسان العقل لتوظيفه في البحث عن حريته أينما وجدت، فإما أن نتحدث عن الوعي والمستقبل والحرية الجماعية، و إما أن نبقى كالنعجة القاسية التي تخسر حياتها بالبعد عن جماعتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى