النقد الأدبي/ للناقد السوري خلف ابراهيم

#النقد #الأدبي #بين #الحيادية #الزائفة #والعمق #المفقود
في عالم الأدب تتشابك خيوط النقد والتلقي بشكل معقد. أجد نفسي متلقيًا عاديًا، مثل غيري من أفراد الجمهور. أتابع النصوص وأتفاعل معها، لكنني أُشاهد حولي ظاهرة مثيرة للجدل : أولئك الذين يرفعون شعار النقد والحيادية، ثم يمارسون عكس ما يدعون.
\\الازدواجية في النقد قناع أم حقيقة؟\\
تتجلى الازدواجية في الخطاب النقدي بشكل صارخ. يتحدث بعض النقاد عن الحيادية والموضوعية، لكن أفعالهم تكشف عن تحيزات واضحة. يلقون اللوم على النصوص التي لا تتماشى مع رؤاهم، بينما يتجاهلون نصوصًا ضعيفة تروج لأفكارهم الشخصية. هؤلاء النقاد يشبهون العازف الذي يعزف لحنًا واحدًا في حفلٍ متنوع، متجاهلين بقية الألحان التي تستحق الانتباه.
\\ التحيز الشخصي أداة للنقد أم أداة للتسويق؟\\
تُعاني بعض النصوص الرديئة من قراءات مفرطة، ليس لأنها تحمل قيمة أدبية، بل بسبب ارتباطات شخصية أو علاقات خارج نطاق الأدب والشعر. يبدو أن بعض النقاد يفضلون دعم نصوص معينة لمجرد أن مؤلفيها ينتمون إلى دوائرهم الاجتماعية أو الثقافية. هذا التحيز يخلق بيئة أدبية مشوهة، حيث تُعطى النصوص الضعيفة قيمةً زائفة، مما يؤدي إلى تراجع حقيقي في جودة الأدب.
\\ أمثلة على النصوص الرديئة\\
كم من نصوص رديئة نالت شهرة لا تستحقها؟ نجد أعمالًا تعتمد على أسلوب سطحي أو موضوعات مبتذلة، ومع ذلك تُقرأ بكثرة، بينما تُهمل أعمال أخرى تحمل عمقًا فنيًا وفكريًا. إن هذه الظاهرة تؤكد أن العلاقات الشخصية أو الانتماءات الاجتماعية تلعب دورًا أكبر من الموهبة الحقيقية في عالم الأدب.
\\مسؤولية النقد أداة أم سلاح؟\\
يُفترض بالنقاد أن يكونوا مرشدين يقودون القارئ نحو فهم أعمق للأعمال الأدبية. لكن عندما يتحول النقد إلى أداة لتصفية الحسابات يصبح الأمر مثيرًا للاشمئزاز. كيف يمكن للناقد أن يتحدث عن تراجع الجودة بينما هو نفسه يتغاضى عن نصوص لا تستحق القراءة لمجرد ارتباطها بمجموعة معينة؟ هؤلاء النقاد يبدون كما لو كانوا يخونون الأمانة الأدبية، يستبدلون الحيادية بالتحيز، ويعتمدون على معايير مزدوجة لا تخدم الأدب إطلاقًا.
\\ الحاجة إلى معايير موضوعية\\
يجب أن تكون هناك معايير موضوعية تضمن أن يُقيَّم كل نص بناءً على جودته الفنية والأدبية، وليس بناءً على علاقات شخصية أو ميول نقدية. يجب أن يتجاوز النقد الأدبي حدود الهوى الشخصي، ليكون صوتًا يعكس الحقيقة، ويستند إلى الفهم العميق للنصوص. إن الأدب ليس ساحة لمعارك شخصية، بل هو مجال لاستكشاف المشاعر والأفكار.
\\ تلقي النصوص وجهة نظر المتلقي\\
كقارئ أجد نفسي أمام مشهدٍ معقدٍ. أريد أن أستمتع بالأدب لكنني محاط بأصواتٍ تتحدث عن النقد وكأنها تعيش في عالمٍ منفصل. هل يجب أن أقبل ما يُقدّم لي، أم أنني أملك الحق في التمرد على تلك المعايير المزدوجة؟ إذا كان النقد يعكس أهواء شخصية، فأين هي الحيادية التي يدّعيها النقاد؟
\\ دور المتلقي في المشهد الأدبي\\
يلعب المتلقي دورًا حيويًا في المشهد الأدبي. فهو ليس مجرد مستهلك سلبي، بل يمكنه أن يكون فاعلًا في تشكيل القيم الأدبية. عندما يقوم القارئ بتحليل النصوص بشكل نقدي، يمكنه المساهمة في توجيه الأنظار نحو الأعمال التي تستحق التقدير، وبالتالي تعزيز جودة الأدب. يجب علينا أن نكون واعين لمحتوى ما نقرأ، وأن نرفض النصوص التي لا تقدم شيئًا ذا قيمة.
\\ الهموم الأنثوية وتجلياتها عمق القضية \\
تتجلى هذه الإشكالية بوضوح في الكتابات الأنثوية. الكاتبات اللواتي يسعين للتعبير عن قضاياهن يجدن أنفسهن محاصرات بين توقعات الجمهور وازدواجية المعايير النقدية. تُقرأ نصوصهن من زوايا معينة، بينما تُغضَّ الطرف عن تلك التي تفتقر إلى العمق. هل يُعقل أن يُعطى النص الضعيف قيمةً لمجرد ارتباطه بموضوعات نسوية معينة؟ إن هذا الأمر يُظهر كيف يمكن أن تُستغل القضايا النسوية كستار لتبرير ضعف النصوص. يجب أن يُقرأ الأدب النسائي بناءً على جودته، لا بناءً على هالة القضايا التي يحملها.
\\ دعوة للتفكير والتغيير\\
إنني أدعو كل من يقرأ هذا المقال إلى التفكير بعمق في تلك الظواهر. هل نحن أمام نقاد حقيقيين، أم مجرد متحدثين باسم النقد؟ يجب أن نطالب بالنقد الصادق، الذي يضع النصوص تحت المجهر بعيدًا عن الأجندات الشخصية. لنبدأ في رؤية الأمور بوضوح، لنتمكن من إعادة بناء علاقتنا مع الأدب بعيدًا عن ضباب التحيزات والازدواجية.
إن الأدب يحتاج إلى صوتٍ نقدي شجاع، يفتح آفاقًا جديدة، ويعيد للكتابة معناها الحقيقي. لنكن جميعًا جزءًا من هذا التغيير، ولنساهم في بناء بيئة أدبية تعكس الأصالة والعمق، بعيدًا عن العلاقات الشخصية ومصالح الأفراد. إن الوقت قد حان لنستعيد الأدب من براثن التحيزات والازدواجية، ونعود إلى جوهره:\ الفن\ \التعبير\ \والإنسانية.\
دمتم بود وسعاده أطيب التمنيات لكم يا صحب.
خلف إبراهيم