رؤي ومقالات

حمزه الحسن يكتب : عقاب المعتوه

في كل قوانين العالم بما في ذلك العراق تتم محاكمة الموظف او المسؤول في حالات الاهمال او الاستهتار الوظيفي او عدم الاهلية والكفاءة او الفساد ويكون العقاب بحجم المشكلة.
منذ تنصيبه من قبل الأشباح، تصرف رئيس الوزراء العراقي بعدم مسؤولية سياسية وادارية وقانونية واخلاقية عندما شرع في تبديد ثروة العراق في اتجاهات مختلفة لمصالح شخصية في الوقت الذي يطالب الناس للتبرع للدولة،
كما انه محاط بحاشية فاسدة ومن بينهم اخوته : حيدر شياع السوداني الذي هرب في الاسابيع الاخيرة الى تركيا بعد انكشاف فضيحة التجسس على هواتف المسؤولين ــــ وهي الفضيحة التي أسقطت الرئيس نيكسون وتسمى: ووترغيت.
كما ان شقيقه عباس السوداني ــــ الملقب بالحاج ــــــ معروف بلقب 30 بالمئة لانه يتقاضي رشاوى عن كل مشروع بنسبة 30 بالمئة واخرها مشروع مترو بغداد الذي طلب من الشركة البريطانية حصته البالغة مليار ونصف دولار وقال لاعضاء الشركة:
” حتى النبي قبل الهدية” في توظيف قذر للدين في مشروع فساد مع أن الإمام علي حاول قطع يد زينب لأنها كانت صبية واستعارت سوارا ذهبياً من بيت المال في نهار عيد وأعادته في اليوم نفسه. من أي دين هذه المخلوقات؟
كذب السوداني في كل وعوده قبل السلطة يوم كان نائبا وكذب في تأثيث سيرة ذاتية عن أب معدوم في النظام السابق ومن غير المعقول أن يكون أخوة ثلاثة فاسدين تربية أب شهيد قضية كما يزعم؟ حتى لو فرضنا جدلاً أن الأب أعدم في النظام السابق، فإن الإعدام الأبشع تم على يد الإخوة الثلاثة الذين شوهوا سيرة الأب بطريقة بشعة، ميتاً، ستبقى حيةً عبر العصور والأجيال.
مع ان كذبة واحد تكفي لاسقاط مسؤول لان الكذب عادة مزمنة ومنظومة متكاملة من الرذائل وهناك الكذب المرضي التلقائي القهري ويصنفه علماء النفس كمرضPathological lying عضوي،
ــــ غير الكذب العادي ــــ لأن المصاب غير قادرة على التحكم والسيطرة وكل كذبة تفرخ عشرات الاكاذيب وهذا التشظي والتفريخ في الكذبة الواحدة يسمى طبياً الميثومانيا Methomnia وهو هوس غير مسيطر عليه لكن المصاب مدرك انه يكذب حتى لو كان الصدق يجلب له فوائد أفضل.
صحيح ان القانون لا يعاقب المعتوه لكن لا يكلف بمسؤولية، والعته غير الجنون لأنه مدرك لما يفعل. صحيح ان المجنون والمعتوه معفيان من الصلاة ــــ حتى يفيقا الى الرشد اذا أفاقا ـــــــــ لكن من غير المعقول تكليفهما بمسؤولية كبرى أو صغرى لأن هذا جنون آخر معقلن.
هناك دول عاقبت بالطرد مسؤولين من التلاعب بـــ 60 دولاراً كما حدث في السويد مثلاً عندما أسقطت عاملة في محطة وقود في السويد مرشحة لرئاسة الوزراء الوزيرة مونا سالين لانها رأت أنها تستعمل بطاقة مصرفية حكومية لملء خزان سيارتها مع أن سالين أعادت المبلغ في اليوم نفسه
لانها لم تجد بطاقتها الخاصة والمبلغ هو 60 دولارا،
لأن رقابة الجمهور جوهرية والعبرة ليست في كمية المال بل بفكرة التجاوز على مال الناس.
ليس المهم حجم المبلغ بل فكرة التجاوز تحت أية ظروف لأن الفكرة تخفي خلفها نفقاً طويلاً من الأفكار والمشاعر غير السوية المخفية.
في أية دولة تحترم قوانيها وشعبها يعرض المسؤول الأول على لجنة طبية من أطباء نفس لاختبار جدارته العقلية والنفسية في حالات الاستهتار الوظيفي الواعي والتلاعب بالثروة كما يخضع للمحاكمة التي تقرر الادانة أو البراءة ومثل هذه المحكمة في العراق ذراع قمعية في يد السلطة ومسوغ أفعالها بالتماهي أو التسويف أو الصمت أو حتى التواطؤ.
في حالة مثل هذه على منظمات المجتمع المدني والمنظمات القانونية وحتى الجمهور تقديم شكوى قانونية الى المحكمة، قبلت أم رفضت، لكي يفهم انه أمام شعب حي، للتدقيق في أداء السوداني وعرضه على لجنة طبية محايدة ومتخصصة لفحص سلامته العقلية وهناك امراض نفسية لا تظهر الا بالفحص العميق لان هذا الصنف يحافظ على المظاهر الخارجية سليمة من خلال الأقنعة والتمثيل في مجتمع تحول الى كرنفال أقنعة ومسرح للتمثيل.
في عراق الغرائب تم القبض والسجن لعامل خدمة في مؤسسة في محافظة ديالي لاخذه علبة لبن من ثلاجة الموظفين والقبض على طفل مشرد في السماوة وسجنه لسرقة شكولاته. أي بلد هذا؟
الوجه الاخر للمأزق ــــ المأزق حلقة مفرغة وليست مشكلة تُحل ــــ ليس حدثاً عابراً،
ليس كارثة طبيعية ولا ورطة سياسية، كل هذه لها حلول من داخلها،
لكن هذه الأزمة مغلقة والنظام تعامل معها بكل غباء،
مع أن مفهوم النظام السياسي لا ينطبق على سلطة اليوم،
لأن السلطة موزعة في الأطراف.
أحد وجوه المأزق البيئة السياسية التي تنتج هذه النماذج كما ان الجمهور هو الاخر شريك وليس ضحية عندما وصلت السذاجة بل البلادة العقلية حد المطالبة برئيس وزراء شريف وحازم وقوي.
يمكن للمحتجين تقديم المرشح ويتم قبوله لكن بنوع من الدهاء وخلال أقل من شهر يمكن ببرنامج إفساد منظم تحويله من قديس إلى ضارب طبل،
ومن ملاك إلى شيطان ومن زاهد الى نصاب، ومن محتشم في الزي الى شخص يمشي في الشوارع
بالمايو ويؤدي الصلاة وعلى صدره قلادة بقميص مفتوح وفي اذنه سماعة هاتف يسمع بها اغاني ساجدة عبيد لكن بوجه خاشع كقناع. في تسجيل يظهر نور زهير صاحب سرقة القرن ـــــــــ وفي كل مرة يظهر سارق قرن أكبر ـــــــ في مجلس عزاء كربلائي يكاد يُغمى عليه من البكاء : هؤلاء يستحقون الأوسكار في التمثيل.
الرجل الشريف والحازم والقوي يحتاج الى بيئة ومناخ نظيف ونظام سياسي شفاف ومؤسسات ساندة وداعمة والى محكمة عليا مستقلة،
ونخبة ثقافية مستقلة واعلام نزيه وتقاليد في العمل السياسي، وطبقة سياسية رصينة وليست هذه الطبقة الأمية والفاسدة والمرتشية:
السمك لا يسبح في الرمل.
عكس ذلك سيكون مصير الرجل الشريف والقوي والحازم هو التالي:
بعد أداء القسم بالقرآن والدستور والزاد والملح ستنتظره في اليوم الثاني دعوة لزيارة الولايات المتحدة، لا أحد يعرف من رتبها، وهناك تجري خلف الكواليس صفقات سرية.
يأتي من الولايات المتحدة ليجد دعوة من فرنسا والمانيا وايطاليا،
لبحث علاقات التعاون والصداقة ومستقبل العراق، كما في عناوين الدعوات،
وما أن تستقر به الطائرة في مطار حتى ينتظره آخر.
ما أن يعود الشريف والنزيه الى أرض الوطن متعباً، تنتظره مناشدة ملحة من البرلمان لقضاء عطلة في جزر هاواي. طبيعة إستوائية وفيلاّ ساحرة على البحر ومناخ إستوائي وساحل للعراة،
المتوقع أن منتجع ترافسا هانا هو المكان المطلوب،
لما يتمتع به من خصوصية ويمكنه القيام بكل ما يحلم أولا يحلم به
دون حاجة للكشف عن هويته في جو من الأمان المطلق.
يمكن لرئيس الوزراء الشريف والنزيه والقوي أن يرتاح
من العمل من أجل الجماهير، مع عاملة خدمة سويدية شقراء أو سمراء أو سوداء حسب المزاج تتولى تنظيم فراش النوم،
وأخرى روسية بيضاء كالثلج للتدليك الليلي قبل النوم، وثالثة سمراء هندية بلون القمح تحت صيف مشتعل،
وهذه لشؤون الطبخ والاعمال الخاصة وتنظيف “الاعضاء ” السياسية بأدوات مذهبة ومنعشة.
عندما يستيقظ في الصباح ويفتح حسابه المصرفي يجد ملايين الدولارات دخلت الحساب من الدولة من شركات ودول ” هدايا” ونفقات سفر ولا أحد يسأل عن كفاءة ونزاهة وأداء بل يكفيه أن يكون محنطاً ببنطال وسترة وربطة عنق وحذاء وشوارب تربط الثور لأن العراقي يحب المظاهر ويعتقد انه يمسك الحقائق من ذيلها.
عند عودة الرجل الشريف من الرحلة، يُصدم وهو في السيارة في الطريق الى القصر الرئاسي بوجود حفر شوارع ونفايات وأطفال مزابل،
فيسأل سائقه مستغرباً كسؤال أحد ملوك إسبانيا وهو يحتضر:
” ما إسم البلد الذي أنا رئيس وزراء فيه؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى