سكينة بشرى.. أنامل تُبدع بين حروف العروبة ورموز الأمازيغ

كتب : عبد المجيد رشيدي
في عالم يتسارع فيه إيقاع الحداثة، وتكاد الموروثات أن تتوارى خلف زحمة التحولات الرقمية، تشع الفنانة المغربية سكينة بشرى كضوء أصيل يعيد للتراث المغربي مكانته، ويمنحه حياة جديدة بلمسة عصرية متفردة، هي ليست فقط فنانة تشكيلية، بل باحثة عن الجمال الكامن في جذورنا، ورسامة تحيك من الهوية جسورا بين الماضي والمستقبل.
الفنانة سكينة بشرى تمثل نموذجا نادرا لفنانة جمعت بين الدراسة الأكاديمية والمعرفة التقنية بفنون الصناعة التقليدية، وبين شغف لا ينطفئ بالإبداع الفني، ولم يكن هذا المسار وليد الصدفة، بل هو ثمرة جهد وصبر ورؤية واضحة، جعلت منها أحد أبرز الأسماء الصاعدة في ساحة الفن التشكيلي المغربي.
ما يميز أعمال سكينة هو قدرتها البديعة على دمج الرموز الأمازيغية بالحرف العربي، لتخلق لوحات تنطق بلغة بصرية غنية، تعكس ازدواجية الهوية المغربية، في كل خط ترسمه، وفي كل رمز تنقشه، تروي حكاية انتماء حضاري يشهد على التنوع والتكامل، إنها فنانة تؤمن أن الهوية لا تتجزأ، بل تتعزز بالاختلاف وتتوهج حين تلتقي التيارات الثقافية في قالب فني متناغم.
عبر لوحاتها، لا تقدم سكينة بشرى مجرد أعمال تشكيلية للعرض، بل تقدم رؤية فنية إنسانية، تسعى من خلالها إلى إحياء الصناعة التقليدية المغربية كرافد من روافد الإبداع المعاصر، فهي تعيد النظر في التراث، لا باعتباره ماض نعتز به فقط، بل كمنجم حي يمكن استثماره فنيا لإنتاج جديد يعكس روح العصر دون أن ينفصل عن الجذور.
سكينة ليست فقط فنانة، بل حارسة للذاكرة الجماعية، ورافعة للهوية، وصوت نسائي مغربي يستحق أن يحتفى به، إنها تسير بخطى واثقة نحو بناء تجربة فنية متكاملة، تتحدث فيها الألوان عن روح المغرب، وتهمس فيها الزخارف عن أصالة الأرض، وتحاور فيها الرموز العقل والوجدان.
وبين سكينة اللوحة وبشرى الإبداع، تواصل الفنانة رحلتها بصمت الواثقين، تؤمن بأن الفن رسالة وهوية، وأن الريشة حين تمسكها يد مخلصة قادرة على إعادة رسم صورة الوطن بألوان لا يبهت بريقها.
إن مسيرة سكينة بشرى ليست فقط استحضارا للماضي، بل هي دعوة مفتوحة لاستلهام التراث، ونسج المستقبل بخيوط الأصالة والابتكار في زمن تسود فيه القوالب الجاهزة، تظل تجربتها فريدة، تنبض بالحياة، وتستحق أن تروى، وتحتفى بها في فضاءات الفن والثقافة.
أتقدم بخالص الشكر والتقدير للأستاذ عبد المجيد رشيدي على هذا المقال الرائع، كما أود أن أتوجه بالشكر لجريدة العربي اليوم على نشر هذا العمل المتميز.