حمزة الحسن يكتب :حراسة الضفدع

ــــ إن لم تُقاتل من أجل ما تتمناه ستقاتل أضعافه لأجل التأقلم مع وضع أنت لا تريده *كريشنا.
نحتاج الى من يقول لنا الحقيقة من يدير هذا البلد؟
يطيب لنا منح العناوين الخاطئة كتعبير عن العجز والشلل والفشل في فهم معنى الظواهر، نحتاج الذهاب للحفر أبعد من العناوين الخادعة التي تخفي الكثير.
من بين العناوين الخاطئة:
الخلايا النائمة، والفتنة النائمة، والأمة النائمة، والأصول المالية النائمة،
والقوى الوطنية النائمة، سلطة ثقافية نائمة، بل الشعب النائم… والخ وهلم جرا.
لو حاولنا الدخول، مثلاً، في عنوان الخلايا النائمة،
لوجدنا ان هذه الخلايا ما كان لها أن تنام في بيئة صلبة وقوية ويقظة،
أو، في الأقل، ما كان لها أن تنام بهذه الكثافة والشراسة، والقوة والفاعلية.
عنوان الخلايا النائمة يقابله، لو استعملنا المنطق نفسه، السلطة النائمة،
فليس من المعقول بعد كل هذه السنوات والتجارب والخبرات،
القول ان بغداد محاطة بخلايا نائمة،
وهناك من يذهب الى القول عن حق ان الخلايا النائمة مزروعة في مدن عدة في العراق من غير المخابرات الدولية بعناوين شركات ومنظمات انسانية .
أما عنوان الفتنة النائمة المزمن الذي نكرره كالنشيد الوطني فهو من اخطر واكثر العناوين مراوغة وتضليلاً:
الفتنة النائمة هي في الحقيقة قضايا وخلافات تاريخية لم يتم فيها الحسم، والحسم ليس من ثقافتنا وهو صحة وجمال وتجاوز ونبل ووضوح وصدق مع الذات والآخر في القضايا العامة والخاصة وثقافتنا مجاملات.
الفتنة النائمة هي تحديدا تاريخ مغلق وثقافة تعاني من عطب جوهري ويأتي من يرفع المكبس عن جيفة متراكمة منذ قرون.
قضايا حساسة تاريخية لم تخضع للحوار النقدي المتبادل والآمن والصريح، لكي نحدث قطيعة معرفية ونفسية وثقافية مع تاريخ ملتبس،
وتُركت تتراكم مع الأزمنة حتى تنفجر في أوقات أو تُفجّر،
وكان يجب” ايقاظها” في مناخ السلم الأهلي والحوار الهادئ والعقلاني،
ونتوجه نحو الحاضر والمستقبل بدل نقلها الى ميادين القتال والسلاح والدم،
والدوران حول الامكنة والازمنة كثيران النواعير؟
نعيش في عالم وصل الى صناعة آلات مبرمجة في كل شيء وتتحكم بالطيران والاقمار الصناعية واعماق البحار وعمليات جراحية عن بعد بل دمى صينية كزوجات مبرمجات مع ان كثيراً من النساء العربيات مبرمجات من الطفولة بتلقين من الأمهات المتواطئات في البرمجة على خدمة الذكور والاختراع الصيني متخلف أربعة عشر قرنا بطاعة عمياء مجهرية افضل من اي دمية صينية او يابانية.
لا يختلف بعض الرجال ايضا عن البرمجة من الطفولة والزواج في الجوهر والحقيقة زواج دمى والدليل حالات الطلاق الاخيرة التي تصل في الشهر الواحد والسنة الواحدة الى أرقام خرافية ووفقاً لإحصائيات مجلس القضاء، فقد شهد عام 2021 تسجيل 73,155 حالة طلاق، بينما سجل عام 2022 ما مجموعه 68,410 حالات. وفي عام 2023، ارتفعت الحالات إلى 71,016، في حين تم تسجيل 45,306 حالة طلاق خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 لانه في الاساس وفي قلب العلاقة كان طلاقا مقنّعاً ونفسياً وهو الأغلبية الساحقة للحفاظ على المظاهر ـــــــــــــ مع ما يرافق ذلك من طعن في الظهر في أول فرصة وعابر سرير ـــــــــ وبعد سنوات يكتشف الزوجان انهم بشر وليس دمى ويتفاجأ كل شريك بالآخر والضحايا اطفال ابرياء في مجتمع ممزق.
لماذا تبقى هذه الالغام التاريخية مزروعة في حياتنا لكي تنفجر في اوقات غير مناسبة مع ان الغرب احدث قطيعة وتصفية مع الماضي،
كشرط جوهري للحداثة والحياة؟
لماذا هذا العنف والحقد والضغان حول تفسير الماضي وحوادثه بدل الانشغال بتفسير الحاضر وتغييره؟ ومن يمسك بعجلة التاريخ ويسمّرها في زمن واحد؟
اذا كنا عاجزين عن حسم خلافات التاريخ، فكيف يمكن مواجهة رهانات وتحديات الحاضر والذهاب الى المستقبل ولا وجود لفعل المستقبل في لغتنا؟
لماذا هناك قوى وطنية نائمة وقد ملأت القرن الماضي شعارات وهتافات
وخطابات وقدمت شهداء ومظاهرات ولم تكن تقبل بغير” التغيير الجذري” بديلا؟
ما الذي يجعل هذه القوى الوطنية تنام في منعطف حاسم ومصيري،
وتستيقظ في أزمنة هادئة، نسبياً؟
هل السبب العرق المحلي، التبغ، الترهل، الافلاس الفكري، العدمية،
نهاية المشاريع، العقم، عطب اللغة، عطل الوعي، أم اغلاق الحانات، مثلا؟
ما هي العوامل التي تدفعها للنوم في أوقات الأزمات الكبرى،
كحراسة الضفادع التي تواصل النقيق طوال الليل خوفاً من الأفعى اللابدة في العشب،
وفي الفجر، اللحظة الحاسمة، تنام، لحظة خروج الأفعى وتلتهمه،
لذلك جاء المثل العراقي البليغ: نطارة العكروك ـــ الضفدع؟
من يحمي العنب والزرع والنخيل والحاضر والمستقبل،
ويبني أسيجة وقائية من التدهور والفساد عندما تتخلى السلطة عن مسؤوليتها السياسية والاخلاقية في حماية الحياة والثروة والأرض والمستقبل،
غير نواطير قوى وطنية وسلطة ثقافية تشكل مصدات حامية من الفوضى والخراب؟
لماذا ينام الناطور في لحظة السطو، ويستيقظ في اوقات الشاي والتبغ والتغوط وافلام كارتون والفضائح ؟
لكن التعبير الأكثر قسوة وفظاعة هو تعبير الشعب النائم، فلماذا اذا صح العنوان ينام الشعب في أوقات الضيق والمنعطف وصراعات المصير
ويستيقظ على مباراة كرة قدم او فضائح تافهة مع ان عنقه تحت المقصلة والبلد يتفكك ويُباع علناً أمام جمهور نائم أو منوم مع ان القضية تتعلق بمصير اجيال وابناء واحفاد؟
” كل الأوطان، بتعبير محمد الماغوط، تنام وتنام، وتستيقظ في اللحظة الحاسمة، إلا الوطن العربي، يستيقظ، ويستيقظ، لكنه ينام في اللحظة الحاسمة”.