طرزان ابن الغابات …..قصه قصيره بقلم وليد العايش

كان العصر من ذاك اليوم شهياً للتنزه في قلب الغابة المكتظة بكل أنواع الأشجار ؛ ومجاراة النهر الذي يقسم ظهرها نصفين رغماً عن أنفها ؛ بينما الأرض أخفت معالم ترابها فاسحة المجال للعشب كي ينتشر في شتى الأمكنة على غير تراصف ؛ أما الأزهار ذات الألوان الزاهية فقد اختارت مكاناً مميزاً لها في إحدى جنبات الغابة شمالاً .
أمسك أبو عابد بيد ابنته آية التي تجاوزت الخامسة من عمرها بقليل ؛ طفلة شقراء ؛ ذات عينان زرقاوان ؛ وشعر يغطي معظم مساحة ظهرها ؛ أما أبو عابد فهو حكاية لوحده ؛ هذا الرجل الذي انحنى أمامه العقد الخامس من العمر كان قد تزوج رغماً عن أنفه ( حاله ك حال الغابة المجاورة لبيته ) ولم يكن قد بلغ الثامنة عشرة من عمره ؛ كانت العروس ابنة عمه عفراء ؛ تلك التي قضى طفولته و إياها جنباً إلى جنب طيلة السنوات الماضية ؛ ولم يخطر ببال أي منهما أن يكون زوجا للآخر في وقت من الأوقات ؛ ولكن هكذا هي حال الريف ؛ فالقريب لابد أن يتزوج قريبته مهما كانت الظروف ؛ لذلك فقد استسلم كلا منهما للأمر الواقع .
وطيلة ثلاثة عقود كانا يقطنان في عيادات الأطباء ؛ والمشايخ ؛ والمنجمين ؛ والمشعوذين ؛ لعل وعسى ؛ فما أن تحمل عفراء وتصل لشهرها الثالث إلا ويفر الجنين ك جندي خائف فقد سلاحه في ساحة المعركة ؛ هكذا إلى أن شاء القدر وبدأ الحمل يصل إلى نهايته ويأتي المولود المنتظر ؛ العائلة كلها تحتفل ؛ تقام الأفراح والتهاني والتبريكات ؛ لكن ماهي إلا أشهر وأحيانا تعبر السنة ومرات سنتين وأكثر حتى يكون المولود قد عاد ليمارس هواية شقيقه الجنين في الفرار ؛ ليتحول الفرح إلى مأتم بانتظار قادم جديد .
بلغ الصف المرصوص في مقبرة العائلة ( سبعة قبور صغيرة ) يا للهول ؛ بماذا كان يشعر أبو عابد وعفراء كلما ذهبا إلى هناك !!! …
آية كانت الطفلة التي تمردت على كل شيء وقررت أن تبقى مع والديها ؛ فتجاوزت كل الفحوصات الطبية بنجاح ؛ وأصبحت مدللة الأسرة الوحيدة .
المهم قرر أبو عابد أن يتجول مع آية في الغابة ؛ ولم تنس عفراء أن توصيه بالاهتمام بها كما جرت العادة طيلة السنوات السابقة .
لعب الاثنان معا في قلب الغابة ؛ كل شيء كان جميلاً ممتعاً محفزا للبقاء أطول وقت ممكن ؛ كان الأب يحكي لابنته عن أشياء كثيرة جرت في هذه الغاية ؛ وعن أشياء قام بها هنا منذ أن كان شاباً يافعا ؛ وحتى عندما كان طفلاً بعمرها ؛ بينما كانت آية تستمع وتضحك وتستمتع بحكايا والدها التي تتمنى ألا تنتهي .
اقتربا من النهر المتمرد حيث المياه تجرف كل ما يواجهها دون رحمة ؛ وهديرها يضفي الكثير من الجمال على المشهد ؛ سمع أبو عابد صوتاً من خلفه ؛ التفت إلى حيث مصدر الصوت ؛ لكنه لم ير أي شيء ؛ في تلك اللحظة سمع صوتا آخر مختلف هذه المرة لكنه قريب جداً منه ؛ التفت إلى ابنته فإذ بها قد أصبحت في وسط مياه النهر الثائر …
ولسوء الحظ فلم يكن أبو عابد يعرف السباحة ؛ يا إلهي ؛ ماذا يفعل ؛ بدأ يجري مع الطفلة إلى الأمام وهي مازالت تستغيث به ؛ فكر كثيراً ؛ فهو إن ألقى بنفسه في الماء فلن يخرج ولن تخرج ؛ وإن بقي يراقب فإنه سيفقد آية …
لحظات مرعبة ؛ مخيفة ؛ يائسة ؛ هي تلك اللحظات التي كانت تمر ثقيلة ثقيلة ؛ انعطف النهر إلى اليمين ؛ لم يعد بمقدور أبو عابد أن يرى آية ؛ بدأ بالصراخ ؛ ولكن لا مجيب ؛ رفع يديه إلى السماء ثم جثا على ركبتيه بينما كانت المياه تبلل ذقنه المجللة بسواد على بياض .
إذن غرقت آية ( قال في نفسه ) لكنها لن تقطن بجوار إخوتها السبعة ؛ فربما تكون في مكان آخر مختلف تماماً .
فجأة صدح ذات الصوت الذي سمعه منذ قليل ؛ شاهد عبر مسافة قريبة تحرك أغصان الأشجار ؛ هب واقفاً ؛ ثم جرى باتجاه الشاب صاحب الصوت …