كتاب وشعراء

رضا عبدالعزيز سلامه يكتب :في زمن التوحّش: عندما تتهاوى قواعد الحرب وتتقدّم لغة القوّة

منذ أقدم العصور، لم تكن الحروب مجرّد صدامات مسلّحة بين أطراف متنازعة، بل كانت لها أعراف غير مكتوبة تَفرض قدراً من “الشرف القتالي”. لم يكن من المروءة إشراك الأطفال والنساء، ولا خوض المعارك غدراً دون إعلانٍ مسبق، بل كان من المألوف أن تُحدّد ساعة الصفر وتُعلن الحرب قبل انطلاقها، في مشهد يجمع بين الحزم والإنسانية.

غير أن ما نشهده اليوم من كيانات مسلّحة وجماعات غير حضاريه و دول تتخلّى عن المعايير الإنسانية، يدفعنا إلى الاعتراف بأن تلك المبادئ قد تآكلت. باتت الخطوط الحمراء تُداس بلا وازع أخلاقي أو ديني، وصارت استباحة المدنيين واستخدام الصدمة العسكرية وسيلة استراتيجية لا استثناء.

في ظل هذا الواقع، لم يعد تلقّي الضربة الأولى شأناً يمكن تجاوزه. فالضربة قد لا تكون منفردة، بل سلسلة من الهجمات المتتابعة التي تُربك الخصم وتمنعه من النهوض مجدداً. من هنا، أصبحت مفاهيم مثل الجاهزية الدائمة، والاستطلاع الاستباقي، والدعم المتبادل بين الحلفاء ليست ترفاً عسكرياً بل ضرورة وجودية.

إن التحديات الأمنية المعاصرة تفرض علينا التحوّل من ردّ الفعل إلى المبادرة، ومن الاكتفاء بالتحصين إلى تبنّي استراتيجيات الردع والتأثير. فالعالم لم يعد يحترم الضعفاء، بل بات يُصغي فقط إلى من يمتلك أدوات القوة والتأثير والنفوذ.

في هذا المشهد المعقّد، لا بدّ أن تترافق القوة العسكرية مع إعلام واعٍ ودبلوماسية يقظة، فالحروب لم تعد تُكسب بالسلاح وحده، بل بالرواية، والتحالفات، وبناء الصورة الذهنية أمام الشعوب والمجتمع الدولي.

ربما يكون من واجبنا اليوم أن نُعيد صياغة المبادئ القديمة بلغة العصر، دون أن نتخلى عن القيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى