إبراهيم نوار يكتب :هل تعود أوبك إلى تخفيض الإنتاج بعد تدهور أسعار النفط وزيادة الديون؟

تتردد داخل دهاليز صنع السياسة في الدول النفطية أسئلة كثيرة حول جدوى العودة إلى مستويات الإنتاج التي كانت سائدة قبل التخفيضات الطوعية التي ترافقت مع تداعيات أزمة كورونا. وكانت مجموعة أوبك+ قررت الالتزام بالجدول الزمني للعودة إلى مستويات الإنتاج الطبيعية (على أساس الأنصبة المقررة للدول المنتجة حسب طاقتها الإنتاجية) بالعمل على زيادة المعروض النفطي في وقت تتعرض فيه السوق لتأثير عوامل جيوسياسية وتجارية واقتصادية تحد من زيادة الطلب. ومع زيادة العرض، واستقرار الطلب على حاله أو انخفاضه فقد اتجهت أسعار النفط إلى أدنى مستوى منذ بداية العام الحالي، حيث هبط سعر البرميل من خام برنت إلى حوالي 60 دولارا في الخامس من الشهر الماضي، مقارنة بحوالي 74.6 دولار في اليوم الأول من العام، وهو ما يعكس خسارة نسبتها 24 في المئة تقريبا.
ولا تتوقف الأسئلة عند حسابات تقلبات الأسعار، وإنما تمتد إلى تداعياتها الاقتصادية والمالية، وهي الأمور التي تقرر طبيعة السياسة المالية المحلية ومستقبل الاستقرار الاقتصادي، وجهود الدول النفطية شديدة الاعتماد على النفط الخام، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي، التي تنتهج سياسة جادة لتنويع الاقتصاد وتقليل نسبة الاعتماد على النفط في تمويل الإيرادات العامة للدولة.
إن تقلبات أسعار النفط أصابت ميزانيات الدول وشركات النفط والغاز الخليجية بحالة من عدم اليقين. ومع أن هذه الحالة قد أصابت اقتصاديات دول العالم جميعا مع اضطراب النظام العالمي، والتحولات الجيوسياسية السريعة، وحرب التعريفات الجمركية، فإن الدول النفطية التي كانت قد اعتبرت أنها غير معنية مباشرة بالحرب التجارية وغيرها من محركات عدم اليقين الاقتصادي، بدأت تظهر عليها أعراض تلك الحالة في الربع الأول من العام الحالي.
وتقدم المملكة السعودية حالة نموذجية في هذا السياق، من حيث أنها تمثل المهندس الأول للسياسة النفطية داخل أوبك، وأنها في الوقت نفسه أصبحت تملك اقتصادا متنوعا، قال تقرير لصندوق النقد الدولي في العام الماضي إن القطاع غير النفطي أصبح هو الذي يسهم بالنصيب الأكبر فيه، وأوضح أن الإيرادات غير النفطية وصلت إلى 502.5 مليار ريال، بنسبة 51 في المئة من الإيرادات لأول مرة على الإطلاق، كما نمت صادرات البلاد غير النفطية بنسبة 73 في المئة منذ إطلاق «رؤية 2030» لتصل إلى 307.4 مليار ريال. ومع ذلك فإن زيادة إنتاج السعودية النفطي، وزيادة إنتاج دول أوبك، وفتح مناطق التنقيب عن النفط والغاز التي كانت الإدارة الأمريكية السابقة قد أغلقتها، وتراجع معدلات النمو بشكل عام قد ترك آثارا سلبية مباشرة على صادرات وأسعار النفط. ولم يتوقف تأثر الدول النفطية بنتائج ذلك فقط، وإنما هي تدفع أيضا ثمن تراجع أسعار الدولار منذ بداية العام الحالي.
ونتيجة لذلك فقد أصبحت الدول النفطية تتعرض لتراجع في إيراداتها الحقيقية، الأمر الذي يحتم إما تخفيض الإنفاق لتعويض انخفاض الإيرادات، أو زيادة الاقتراض المحلي والخارجي، أو استخدام مزيج من سياسة مالية تعتمد على تخفيض الإنفاق وزيادة الضرائب والإيرادات والقروض المحلية والأجنبية كلها في آن واحد.