إبراهيم نوار يكتب:زيادة ديون السعودية وشركاتها

تظهر متابعة الوضع المالي في المملكة السعودية أن الحكومة تتوسع حاليا في اللجوء للاقتراض لتمويل الإنفاق، كما أن شركة أرامكو كبرى شركات إنتاج النفط في العالم، زادت ديونها إلى أعلى مستوى في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث بلغت قيمة الديون القائمة المستحقة عليها في نهاية الربع الأول من العام الحالي 67.3 مليار جنيه استرليني تقريبا، بنسبة زيادة سنوية تقرب من 12 في المئة طبقا لبيانات الأداء المالي للشركات في بريطانيا. كذلك لجأت أرامكو إلى تخفيض توزيعات الأرباح التي كانت قد تعهدت بها للمستثمرين الخواص (أفرادا ومؤسسات) الذين يبلغ نصيبهم 2.38 في المئة من أسهم الشركة. واقترضت أرامكو في الشهر الماضي 5 مليارات دولار، ما يرفع قيمة قروضها الجديدة في الأشهر الأخيرة إلى 14 مليار دولار.
وطبقا لمؤسسة بلومبرغ فإنها من المرجح أن تلجأ من جديد إلى الأسواق المالية العالمية للاقتراض في العام الحالي. أما بالنسبة للديون الحكومية، واعتمادا على بيانات المركز الوطني لإدارة الدين الحكومي السعودي، فقد زادت قيمة إصدارات السندات لصالح تمويل الميزانية إلى 4081 مليار ريال في الشهر الماضي مقابل 3232 مليار ريال سعودي في الشهر المقابل من العام الماضي، بنسبة زيادة سنوية تصل إلى 26.2 في المئة. ومن المرجح أن يستمر لجوء الحكومة إلى زيادة الاقتراض من السوق المحلي والأسواق الخارجية نظرا لتقلبات أسعار النفط، وانخفاض السعر عن المستوى الذي كانت الميزانية قد تم إعدادها على أساسه.
وطبقا لتقدير صندوق النقد الدولي فإن السعودية تحتاج إلى سعر يبلغ في المتوسط 90 دولارا للبرميل من أجل تحقيق التوازن المالي. لكن سعر النفط منذ بداية العام الحالي يتأرجح بين حد أقصى بلغ حوالي 75 دولارا وحد أدنى بلغ 60.23 دولار للبرميل. وهبط الحد الأقصى لسعر البرميل في الشهر الماضي إلى 66.6 دولار، مع بقاء الحد الأدنى لمستوى المقاومة عند 60 دولارا للبرميل. وتتحمل الميزانية السعودية خسارة ضخمة في الإيرادات في حال هشاشة أسعار النفط تحت مستوى 65 دولارا للبرميل. وتقدر مؤسسة غولدمان ساكس أن متوسط سعر النفط للعام الحالي سيكون في حدود 62 دولارا للبرميل، بينما يقدره بنك ستاندرد تشارتر بحوالي 61 دولارا فقط. هذا التقدير يقل عن متوسط السعر الذي افترضته الميزانية السعودية.
وتتوقع ميزانية الحكومة السعودية للعام الحالي عجزا ماليا قدره 27 مليار دولار، وهو ما يعادل 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة لا تزال تحت المستوى الآمن للعجز الذي يبلغ 3 في المئة. وقد افترضت الميزانية متوسط سعر للنفط يتراوح بين 65 و60 دولارا للبرميل. ومع ذلك، يتوقع محللون مثل غولدمان ساكس انخفاض أسعار النفط عن ذلك، ما قد يؤدي إلى عجز أكبر. ويقدر بعض الاقتصاديين أن سعر النفط البالغ حوالي 62 دولارا للبرميل يمكن أن يضاعف العجز إلى 67 مليار دولار، وفقًا لبلومبرغ.
وقد سجلت المملكة السعودية عجزا كبيرا في الميزانية في الربع الأول من العام، حتى قبل انخفاض أسعار النفط في نيسان/أبريل. إذ قفزت قيمة العجز إلى 15.6 مليار دولار (58.7 مليار ريال سعودي)، وهذا يمثل بالفعل أكثر من نصف العجز الذي توقعته السعودية للعام بأكمله – عجز قدره 27 مليار دولار (101 مليار ريال). وفي مواجهة ارتفاع العجز اضطرت الحكومة إلى زيادة الاقتراض من الجهاز المصرفي المحلي والأجنبي، ما أدى إلى ارتفاع قيمة الديون المباشرة القائمة المستحقة على الحكومة في نهاية آذار/مارس الماضي إلى 1328 مليار ريال سعودي (354.3 مليار دولار) بنسبة زيادة تبلغ 9.3 في المئة.
وتنقسم قيمة الديون إلى ديون محلية بقيمة 797.1 مليار ريال سعودي (212.6 مليار دولار)، وديون أجنبية بقيمة 141.8 مليار دولار (531.7 مليار ريال سعودي). وبهذا فإن الدين الحكومي المباشر يرتفع إلى ما يعادل 30.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بحوالي 26.2 في المئة من الناتج في نهاية السنة المالية الأخيرة.
وتمت تغطية قيمة العجز في الربع الأول عن طريق الاقتراض، ما يشير إلى أن المملكة السعودية تفضل الاستمرار في اللجوء إلى أسواق الدين على استخدام احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. ومع هبوط متوسط أسعار النفط إلى ما يتراوح بين 60 إلى 65 دولارا للبرميل، قد تضطر السعودية إلى تسريع الاقتراض وتأجيل الاستثمارات المخطط لها في مبادراتها الضخمة مثل مدينة نيوم المستقبلية، كما تتوقع بعض مؤسسات الاستثمار.
وسوف يزداد الأمر سوءا مع تدهور قيمة الدولار الأمريكي، الذي خسر ما يصل إلى 10 في المئة من قيمته مقابل اليورو منذ بداية العام الحالي، كما فقد ما يقرب من 5 في المئة من قيمته أمام العملات العالمية الرئيسية منذ بداية العام الحالي طبقا لمؤشر الأسعار القياسية للدولار الذي يعده مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي.