حمزه الحسن يكتب :” يمكن خطف سفينة لكن لا يمكن خطف الحرية”

تحت جنح الظلام ، دائما في الظلام، اختطفت اسرائيل سفينة الحرية مادلين في معركة تاريخية وسط البحر بين 12 شخصا يمثلون العالم وبين زوارق حربية وكوماندوز،
بين المدجج بالسلاح والشر والوحشية وبين المدجج بالضمير والضوء والكرامة الانسانية والبسالة الاستثنائية، بين مغامرة الحرية وبين حرية المغامرة الهمجية.
تماما وسط البحر في الظلام لان عداء اسرائيل للكاميرا قديم لانها لا تريد شهوداً لكن ملايين البشر كانوا يتابعون معركة الحرية.
لم يخطر ببال ركاب سفينة الحرية غير هذه النتيجة لكنهم ارادوا تعرية العاري وفضح المفضوح ووضع العالم أمام إمتحان ضميره.
إختطف الكوماندوز سفينة الحرية لكن اختطاف الحرية مستحيل وليس جديدا على من خطف وطنا ان يخطف قاربا صغيراً.
معركة وسط البحر بين العزّل والكوماندوز في انتصار باهر لم يستطع التشويش على اجهزة الاتصال من أن يرى العالم ما يحدث.
تلك الساعات التي دخلت تاريخ البشرية ستكون صرخة تحذير جديدة ضد الصمت والتواطؤ والجريمة.
كان من المقرر أن يكون على السفينة بعض العرب المنفيين لكنهم خافوا ان تسلمهم اسرائيل الى نظم حكم ديكتاتورية وعميلة ومتواطئة.
لم يخافوا من اسرائيل بل خافوا من نظم حكم لا تقل وحشية عن اسرائيل.
ليس العربي جبانا وصامتا ومتواطئاً كما يخيل للبعض بل هو أسير ومكبل ومخطوف داخل وطنه كما هو حال السفينة مادلين.
لن تنتهي معركة اسطول الحرية بالخطف لأنها معركة مفتوحة بل بدأت بانتصار مضيء وشجاع ،
وهذا النوع من المعارك لا يخضع للحسابات الصغيرة، لا ينتهي بخطف قارب صغير محمل بمواد غذائية أمام جيش محمل بالأسلحة،
وهناك أسطول آخر جاهز للإبحار نحو شواطئ الموت والعزلة ، وهناك شوارع تحتفل بهذا الانتصار الرمزي.
خمسة زوارق حربية في مواجهة قارب أعزل لكن خلفها نظم عربية جبانة ومرتهنة ومذعورة ومخطوفة وخائفة من فقدان عروشها التي ستفقدها يوماً بأعمق يقين، وخلفها نظام دولي شريك في هذه الجريمة.
لن يعرف أحد من هم الكوماندوز بل يعرف العالم أسماء نساء ورجال قارب الحرية: البرازيلي تياغو أفيلا، التركية ياسمين أكار، السويدية غريتا ثونبرغ، والممثل الايرلندي ليام كانينغهام، بطل مسلسل “صراع العروش”، وريما حسن، النائب الفرنسية في البرلمان الأوروبي الفلسطينية الأصل وغيرهم.
هذه الأسماء ستظل خالدة في ذاكرة البشرية في حين ستختفي كالغبار أسماء زعماء عرب يرتجفون من هذه الشجاعة ومن مصير محتوم مهما طال الزمن.
من الغباء الاسرائيلي سيجري عرض مشاهد من معركة طوفان الاقصى على ركاب السفينة المخطوفين كما لو ان هؤلاء لم يشاهدوا مباشرة حملة الابادة المستمرة العلنية، كما لو أن خطف هؤلاء ليست قرصنة وجريمة في مياه دولية.
الحرب ليست في غزة فحسب بل هي حرب النسيان وتطبيع الجريمة وحرب الذاكرة ورحلة مادلين فتح ذاكرة العالم واسرائيل تكره الذاكرة ولا جريمة بلا صمت لانه يخلق مناخ الجريمة. هذا هو الانتصار الحقيقي.
لم تنته معركة مادلين بل بدأت. يمكن خطف كل السفن لكن من المستحيل خطف الحرية ويمكن قتل الطيور لكن من المستحيل قتل حلم الطيران وكما قال الشاعر بابلو نيرودا:
” يمكنك أن تقطع كلّ الأزهار و لكنك لا تستطيع أن تمنع الربيع من القدوم”.