كلّ ما قرأته كان كذباً…..بقلم نعمان رزوق

كلّ ما قرأته كان كذباً
نعم ..
أعترف بذلك الآن و أنا في الخمسين ،
بعد أن انكسرت نظارتي على خريطةٍ مزيفة
و اكتشفتُ أن التاريخ الذي حفّظونا إياه في المدرسة
لم يكن إلا روايةً رومانسية يكتبها المنتصرون ليتسلّوا بها قبل النوم .
أعترفُ
و أنا بكامل خوفي الذي ينبع من قبل الولادة
بأني قضيتُ عمري أرتّق قلبي بخيوط العقائد
قبل أن أكتشف أنها كانت مصنوعة من قطنٍ مسروق
من حقلٍ لا أعرف أين يقع .. و ربما لا وجود له أصلاً .
و أن الحروب كانت دماً يتجلّى في الكتب كحكايةٍ مجيدة
بينما جثثُ إخوتي تُكنَسُ من الشوارع قبل أن يصل ضيوف الملوك .
قالوا لنا : أنتم أبناء المجد ،
لكننا كنا أبناء الرطوبة ..
نكبرُ على كذبٍ مملّح ،
و نصلي في اتجاهاتٍ مرسومة على جدرانٍ رطبة ،
و نردد نشيداً كتبته لجنةٌ لا تحبّ الموسيقا
و لا القصائد .
كبرتُ .. على قال فلان
و قال علتان ،
إقرأ هذا و إياك ذاك ؟
حتى شككتُ في اسمي ..،
في وطني ،
في الكون ،
من قال إن ( نعمان ) هو الدمّ ؟
من قال إن الأرض التي سجدتُ عليها في الصغر ..
ليست ذات الطاولة التي فوقها يلعب الكبار شطرنج السياسة ؟
بلى
و شككت بالسماء أيضا
فلربما كانت سقفاً منخفضاً يضغط على أنفاسي ،
و ربما كانت مرآةً عملاقة يراني الله فيها كلّما حاولتُ أن أكون إنساناً
فلا يتركني على حالي .
من يعبث بنا يا ترى ؟
من يدسّ هذا الطين في أحلامنا ؟
من يُعلّق أعلامه على أكتافنا ثم يسحب السلالم و نحن نلوّح بالانتصار ؟
أنا لست قديساً
و لا فيلسوفاً ،
أنا رجلٌ بدأ يشكّ في كل شيء
حتى في الأمل .
و أسأل نفسي الآن بصوتٍ عالٍ ..
بكلِّ ما تبقّى في حلقي من شظايا :
من هم أولئك الكذبة ؟
أهمُ الذين كتبوا المناهجَ وجفّفوا ضميرها بالحبر ؟
أم الذين رفعوا أسماء الأنبياء على اللافتات
ثم ذبحوا خلفها الحقيقة ؟
أهم الذين قالوا إن الوطن يبدأ من صوت البندقية ؟
أم الذين رسموا حدود البلاد .. و هم يشربون الشاي مع العدو ؟
أهم الشعراء الذين مدحوا السلاطين و لم يعتذروا بعد ؟
أم الذين باعونا فردوساً على هيئة مقبرة جماعية ؟
هل الكَذبة هم الذين صمّموا العملةَ
و جعلوا فيها صورةَ قاتلٍ يبتسم ؟
أم الذين جلسوا خلف الشاشات يعلموننا الحياد ،
بينما تنزف أمهاتنا على الأرصفة ؟
هل الكَذبة هم الذين علمونا أن الطاعةَ هي النجاة ؟
أم الذين طبعوا على جبهاتنا خارطةً لا نملكها ؟
أم نحن ،
حين صدقنا كلَّ ذلك
و أحببنا الجلاد لأنهم قالوا إنه منّا ؟
أم أنّ الحقيقةَ نفسها
هي أكبر كذبة صُمِّمت كي لا نجدها أبداً ؟ .