رؤي ومقالات

محمد عبد العاطي يكتب :التصعيد الأميركي الإسرائيلي ضد إيران والحسابات المعقدة

بالتزامن مع استمرار المفاوضات الإيرانية-الأميركية، يتصاعد الخطاب الإعلامي بين الطرفين. الولايات المتحدة تهدد بكارثة ستحل بإيران إن لم تُبدِ مرونة، وإسرائيل تلوّح بضربة محتملة إذا ما سمحت لها واشنطن بذلك، بينما تُصرّ إيران على مستوى التخصيب الذي يتيح لها مواصلة التحكم في برنامجها النووي. وفي خضم هذا التوتر، تعيش المنطقة على وقع حالة أمنية خطرة.
من مصلحة إيران التوصل إلى اتفاق يتيح لها رفع العقوبات، واستئناف تصدير النفط بكامل طاقتها، والحصول على سيولة مالية تعزز وضعها داخليًّا وخارجيًّا. والأهم من ذلك، تجنّب ضربة قد توجه إليها، سواء من إسرائيل وحدها أو من إسرائيل وأميركا معًا.
أما الولايات المتحدة، فترى في الاتفاق فرصة لتقييد الطموحات النووية الإيرانية، وضمان بقاء البرنامج النووي تحت السيطرة ومنعه من بلوغ مستوى التهديد لمصالحها، ولإسرائيل. كما تأمل، بعد التوصل إلى اتفاق، أن تحظى بفرص اقتصادية في إيران، البلد البكر الغني بالموارد والثروات، فضلًا عن سعيها إلى جذب إيران بعيدًا عن المحور الروسي-الصيني، أو على الأقل تحييد موقفها.
أما إسرائيل، فمصالحها أكثر تعقيدًا. فهي تطمح إلى خفض مستوى التهديد الإيراني إلى نقطة يمكن التعايش معها دون أن يشكل خطرًا وجوديًّا، سواء من جانب إيران نفسها أو من جانب حلفائها في المنطقة. ولهذا، فإن عينها ليست على البرنامج النووي فقط، بل أيضًا على البرنامج الصاروخي الذي يهدد العمق الإسرائيلي، سواء أُطلقت الصواريخ من الأراضي الإيرانية، أو من اليمن، أو من أراضٍ أخرى عبر حلفائها.
الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي يتمثل في التخلص من البرنامجين، النووي والصاروخي معًا. غير أن تحقيق هذا الهدف يبدو صعبًا، فإيران اليوم ليست كالعراق زمن صدام حسين، حين قصفت إسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 1981 وانتهى الأمر دون رد فعل يُذكر. فإيران تملك قوة ردع مؤلمة، وصواريخ بعيدة المدى قادرة على إحداث دمار واسع في المدن والمنشآت والمطارات الإسرائيلية. وعلى الرغم من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة التي تمتلكها إسرائيل، فإن تلك الصواريخ يمكن أن تصيب أهدافًا حساسة وحيوية.
من جهة أخرى، فإن المشكلة التي تواجه إسرائيل لا تتعلق فقط بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي (دون الصاروخي، الذي لا يُطرح على طاولة المفاوضات)، بل أيضًا بما سيترتب على هذا الاتفاق. فبعد رفع العقوبات، ستغدو إيران قوة إقليمية أكثر نفوذًا، وأكثر قدرة على التحرك وترميم خسائر حلفائها وتعزيزهم من جديد، وهو ما يشكل عقدة حقيقية لصانع القرار الإسرائيلي.
إذن، ما السيناريوهات المتوقعة؟
هل يمكن أن تقدم إسرائيل على ضرب إيران بمفردها؟
الجواب: قطعًا لا. ذلك أن الرد الإيراني سيكون أقوى من أن تتحمله إسرائيل دون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة سياسيًّا، وعسكريًّا، واقتصاديًّا.
فهل تشترك أميركا وإسرائيل في توجيه ضربة مشتركة تستهدف البنية التحتية والمنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، ثم تتحملان معًا تبعات التصعيد، وتواجهان ردود الفعل الإيرانية المتوقعة، بما في ذلك وابل الصواريخ من مواقع متعددة؟
هل ستكون دول الخليج قادرة على تحمّل نتائج هذا التصعيد؟
ألا يمكن للحوثيين، بوصفهم حلفاء لإيران، أن يشنّوا هجمات على السعودية والإمارات؟
ألا يُحتمل أن تستهدف إيران القواعد العسكرية الأميركية والقطع البحرية المنتشرة في الخليج؟ أو أن توجه صواريخها مباشرة إلى المدن والمنشآت الإسرائيلية، كما أُشير سابقًا؟
وما حجم الخسائر المحتملة في مثل هذا السيناريو؟
وما الموقف الذي ستتخذه الصين وروسيا وكوريا الشمالية؟ هل سيقتصر على التنديد اللفظي، أم يتجاوز ذلك إلى أفعال ذات طابع استراتيجي؟
هذه الأسئلة الكثيرة، التي لا إجابات حاسمة لها حتى الآن، تعكس مدى تعقيد القرار المنتظر، سواء تمثل في إتمام المفاوضات والتوصل إلى حل سلمي، أو في اتخاذ خيار الحرب.
وهذه هي السياسة: شبكة من الحسابات والتقديرات التي تزن الربح والخسارة، الآنية منها، وعلى المديين المتوسط والبعيد.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، ويبقى الانتظار سيد الموقف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى