رؤي ومقالات

فراج إسماعيل يكتب:رأس شقير ما بين الدراسة والهرولة

رأس شقير وجبل الزيت وأسماء أخرى محفورة في رأسي منذ بدايات الصبا والشباب. سنوات عديدة مررت خلالها على طريق البحر الأحمر الرئيسي القاهرة-قنا، بسيارة ماركة سوزوكي سويفت كنت اشتريتها على الزيرو في مصر بتمويل بنكي 25 ألف جنيه بالتفسيط وربما 20، مع أول عملي في السعودية أوائل تسعينيات القرن الماضي.
كثيرا ما تعطلت ليلا في مناطق الساحل فأرى لوحات تشير إلى رأس غارب ورأس شقير وجبل الزيت ومناطق وموانئ ساحلية أخرى على ساحل البحر الأحمر.
كنت أغرق في ظلام دامس والسيارة معطلة بي وبزوجتي مع الليل والبيداء وطواحين الهواء الكثيرة التي تدور بالرياح. أتذكر أن والدة زوجتي رحمها الله، وكانت معنا ذات مرة، نظرت إلى تلك الطواحين واعتبرتها مراوح لتهوية الصحراء في الصيف القائظ وشكرت من قام بهذا العمل الخيري من أجل المسافرين أمثالنا!
ولأني كنت حديث عهد بانقضاء لدراسة الثانوية كنت لا زلت أحفظ أبيات عديدة من معلقة امرئ القيس:
وليلٍ كمَوجِ البحر أرخى سدولَه
عليّ بأنواع اله ليبتلي..
وانتقل منها مترنماً بقول النابغة الذبياني وعيناي معلقة بطواحين الهواء: فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة
تمد بها أيد اليك نوازع
ويسافر بي الزمن إلى الصبا وحرب الاستنزاف وأنا أسمع بيانات في الراديو عن مروحيات إسرائيلية نزلت على هذا الطريق خصوصا بين سفاجا وقنا وأخذت منه أسرى.. ذلك قبل شبكة الدفاع الجوي التي أمدتنا بها روسيا أو الاتحاد السوفييتي.
كلها ذكريات تجعل كل هذه المناطق الاستراتيجية هي قلبي وتجعلني أشك في كل غريب يقترب منها. لقد كانت مطمعا لعدونا القبلي والأزلي (الصهاينة) إلى يوم القيامة وستظل لهم أذنابهم وذيولهم التي تعمل لهم خلف لافتات المستثمرين.
أرجو أن تكون حكومتنا درست جيدا جدا جدا، طرح صكوك سيادية لتخفيض الدين بضمان رأس شقير.
أدري أن النوايا حسنة وطيبة، وأتفهم ما شددت عليه الحكومة بأن ذلك لا يعني التفريط فيها وبيعها، وأن نقل ملكية 41 ألف فدان في رأس شقير إلى وزارة المالية، على أن يتم استخدامها في عمليات إعادة هيكلة الدين، ليس معناه أنها ستصبح ملكاً لآخرين، وأن تخصيص الأرض لا يعني بأي حال بيعها أو نقل ملكيتها، وإنما يتم استخدامها كضمانة بنظام حق الانتفاع فقط.
سيادة الدول وسلامة أصولها الاستراتيجية لا تقوم بالنوايا الطيبة وإنما بإعمال العقل وفهم التشابك الإقليمي الراهن والنزاعات الدولية على الموانئ الاستراتيجية وأبواب البحار.. وقبل ذلك وبعده بالمشورة وإشراك علماء وخبراء الجغرافيا والجيولوجيا وأمن السواحل الاستراتيجي.
تقع رأس شقير على بعد 350 كيلومتراً جنوب شرق القاهرة على ساحل البحر الأحمر، بالقرب من الطرف الجنوبي لخليج قناة السويس. وتُعدّ أكبر موقع لإنتاج النفط البحري في مصر (100 ألف برميل يومياً). هي منطقة لوجيستية لتخزين وتبادل الزيت الخام، ومحطات ضخ وخطوط أنابيب لنقل الزيت إلى محطات التكرير وموانئ التصدير وأهم مناطق الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر ومُشتقاته والأمونيا الخضراء.
سرعة الرياح تصل إلى 8 و10 أمتار في الساعة ما يجعلها منطقة جذب رئيسية لشركات الطاقة المتجددة.
رأس شقير من أكبر الحقول البحرية لاستخراج الزيت الخام والغاز في مصر. هي ميناء بحري لاستيراد وتصدير البترول الخام على الساحل الغربى لخليج السويس ويبعد 35 كم عن ميناء رأس غارب و4 كم عن الطريق الرئيسى (القاهرة-قنا) بالقرب من حقول البترول.
الأهم في القصة أن يكون هناك وعي كامل بحق الانتفاع وربط الظروف والمتغيرات الإقليمية به، وألا تكون هناك هرولة لتخفيف ضغوط الدين فنفقد أصولا هي عماد الأمن والسيادة.
مرة أخرى لا أشك في النوايا الطيبة.. ولكني أخشى الهرولة دون دراسة كافية لكل الأبعاد…
** رجاء ثم رجاء أن تكون التعليقات بموضوعية وبما يفيد الموضوع من غير تجريح أو اتهامات لأي طرف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى