كتاب وشعراء

قراءة في قصيدة “أمي” للشاعر عبد الرحمن الأحمد….بقلم محفوظ مصباح

كانت كروحِ الأنبياء…تنوءُ
تعفو وتصفحُ والعيالُ تسيءُ
تحكي لمجرى النهر سرّ
صلاتها
ودموعها للجاريات وضوء
أوجاعنا الحيرى تضجُ ببابها
وجوارها في النائبات لجوءُ
العالم ُ السفلي يتعبه الصدى
كم حدثتنا والحديث هدوءُ
كم أسدل الليل البهيم ظلامه
وسراجُها الشرقي كان يضيءُ
وكم اشرأبت في المدائن
عازة
وقطافها عند الغروب هنيءُُ
ياقلبَ أمي كالعراق ونخلهِ
لو شحَّ كف ُ العالمين تفيءُ
أنا لا أعرّف الشعر على أنه كلام موزون مقفى يفيد معنى كما عرفه قدامة بن جعفر او ابن طباطبا على انه الكلام المنظوم البائن عن المنثور الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم ونظمه معلوم محدود او ابن خلدون في قوله ان الشعر هو الكلام المبني على الاستعارة والوصف المفصّل بأجزاء متفقة في الوزن والروي مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده او كما قال احمد شوقي في قوله كذلك
والشِعرُ إن لم يكن ذكرى وعاطفة
أو حكمةً فهــو تقطيـــــعٌ وأوزان
كل هذه التعاريف مجحفة في حق الشعر والشعراء لقد تجاهلت مشاعر الشعراء وعواطفهم اما انا فأقول أنّ الشعر لغة المشاعر واختلاجها انه ترجمة لنبضات القلوب الحزينة المتألمة وصوت لصرخة الدمعة الخرساء الملتهبة وشدو للرقصة السعيدة وزمجرة للغضب الثائر وصور نابضة تعيد إحياء الذكريات في لغة عذبة مؤثرة كقصيدة الدكتور الشاعر << عبد الرحمن الأحمد >> في استعادة ذكريات امه المتوفاة –رحمها الله واسكنها فسيح جناته-حيث يشبه امه في طيبتها ونقائها وتسامحها مع من يسيئون اليها كالأنبياء مثل سيدنا عيسى عليه السلام حيث سامح قومه على اذيتهم له وصلبه ومثل النبي يوسف عليه السلام سامح زوليخة التي رمته في غياهب السجن وكذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع قريش والذى الذي تعرض له وحاولة قتله
فيقول الشاعر<< عبد الرحمن الأحمد >> مستهلا قصيدته التي لم يحدد لها عنوانا -ممكن اسميها بكل بساطة << امي >>-
كانت كروحِ الأنبياء …..تنوءُ
تعفو وتصفحُ والعيالُ تسيءُ
كما كانت تتصف بالكرم والجود والإيثار وحسن الاستماع ومواساة الاشقياء المتألمين فيقول:
أوجاعنا الحيرى تضجُ ببابها
وجوارها في النائبات لجوءُ
ومازال يذكر سردها للحكايات التي يحبها كل الأطفال الشيء الذي يدل على اعتنائها بأطفالها وتربيتهم عن طريق القصص كما تفعل الجدات مع احفادها
العالم ُ السفلي يتعبه الصدى
كم حدثتنا والحديث هدوءُ
يعيد الشاعر ذكر جودها الكثير وكرمها الوفير في صورة تناصية عن كرم عرب البادية كما جاء في الأثر ان عرب البادية كانوا يتركون نار الموقد مشتعلة ليهتدي اليها الغرباء والمسافرون فيأتون الخيمة اين يجدون الاكل والشرب والفراش والامن والدفء حيت يقول:
كم اسدل الليل البهيــــم ظلامــــه
وســــراجُها الشرقي كان يضيءُ
وكم اشرأبت في المدائن عازة
وقطافها عند الغـــــروب هنيءُ
ياقلــبَ أمي كالعـــراق ونخلهِ
لو شحَّ كف ُ العالميـــــن تفيءُ
كما يشير في البيت الأخير الى انّ امه كانت شجاعة صلبة قوية لا تنحني امام العواصف والمشاكل والمصائب فهي كالعراق ونخله في القوة والاصالة,,والخير عندها لا ينضب ولو فقد في العالمين فكفها تبقى معطاءة وخيرها لاينقص
هذه القصيدة تفيض بالمشاعر الإنسانية بالكرم بالجود بالإيثار بالتضحية بالشجاعة بالأخلاق الدكتور الشاعر مازال يذكر امه وهي تطعم الجياع وتساعد المحتاجين وتواسي الحزانى لا تكل ولا تمل.
وقد استطاع استحضار ذكريات امه كانه يقول ان امه لم تمت فهو يتحدث عنها مستعملا الأفعال المضارعة مثل: تنوء ، تعفو ، تصفح، تحكي وافعال اخرى مضارعة وردت في النص ك: تسيء، تضج ، يتبعه ، يضيء
بينما الافعال الماضية التي وظفها الشاعر فهي مثل : كانت، حدثتنا، اشرأبت، شحّ
ثمانية أفعال مضارعة تقابلها أربعة أفعال ماضية لهذا ونحن نقرأ القصيدة كنا نشعر ان أمه مازالت على قيد الحياة لقد وفق ايما توفيق في توظيف الأفعال المضارعة التي تدل على الحاضر واستمرارية الحركة وحدث الفعل بينما الفعل الماضي يفيد ان الفعل حدث وانتهى وتوقف
الشاعر الدكتور >>عبد الرحمن الأحمد >> لا يستحضر ذكرياته مع امه المتوفاة كاحداث ومواقف مضت بل بقوة ذاكرته وسعة خياله وموهبته استطاع ان يجعل امه حية حاضرة امامه استطاع ان يحول الماضي الى حاضر لشدة حبه لامه وكأنه يرفض تقبل موتها حين يتذكرها.
الشاعر استعان في قصيدته بكثير من الصور والتعابير المجازية حتى كأننا نرى امه في شريط مصور مليء بالحركة والديناميكية صور حية بالأفعال والصوت كالأفعال تحكي ،تضج ، يضيء ، اشرأبت ، حدثتنا اما الصور فكمثل قوله
ٔوجاعنا الحيرى تضجُ ببابها
كم أسدل الليل البهيم ظلامه
وكم اشرأبت في المدائن عازة
الشاعر كان يرى امه كالعراق في الاصالة والشجاعة والخير ومساعدة المحتاجين من الجيران وتوفير الامن والغذاء والتربية بل يرى امه كالوطن الام ويرى في نفس الوقت العراق وطنه كأمه او يحلم ان يراه كذلك في اطعام المواطنين وتوفير الامن والغذاء والتربية لهم كما كانت تفعل امه مع الجيران والوافدين اليها
قصيدة فائضة كالطوفان بالحب والمشاعر الإنسانية وبالأخلاق والتضحية والايثار قصيدة وفاء لأمهاتنا الحبيبات اللواتي ينكرن ذواتهن في سبيل اسعاد اطفالهن وام الشاعر زيادة على التضحية من اجل اطفالها فهي كذلك تتفانى في خدمة ومساعدة غيرها وكأنها وطن للجميع توفر الامن والغذاء والدفء والحب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى