شفقٌ من نبيذٍ معتقٍ…..بقلم محب خيري

شَفَقٌ من نبيذٍ مُعَتَّقٍ يُراقُ على مرايا غيابكِ،
ووجوهٌ تُصهَرُ في صمتِ العَتَمَةِ،
لا تَقتَفي أثرَ قوافلَ انطفأت.
لا تُغمِدي عينيكِ في قَصَبِ الليلِ الدامسِ،
فالحرائقُ تُباري ظِلَّكِ على جدرانِ الأماكنِ المنكوبة.
أعيدي للتوقيعِ رَعْشَةَ الحبرِ،
وللقبضةِ حِكْمَةَ الصخرِ المطحونِ،
وسماءً فوقَها تُنسَجُ الأساطيرُ من أوتارِ الدم.
المرجانُ المُخبّأُ في ضفائركِ الشفافةِ،
أعيدي للريحِ غناءَ المدافنِ القديمةِ،
أطرافَكِ وصدى أقدامٍ عَبَرَتْ حقولَ القمحِ الذابلةِ.
كأصواتِ الناقوسِ المنكسرِ،
وأناملَ تُتقِنُ صياغةَ الحكاياتِ من غبارِ المدائنِ المنسيةِ.
أعيدي لنا الأصداءَ التي تلاشتْ قبلَ أن تُولدَ،
أعيدي للتنهُّداتِ فَزَعَها،
وللقلبِ ذاكرةَ الصدى المُرِّ، وأمًّا خَلفَهُ تحيكُ الخيبةَ.
أعيدي للضوءِ ألعابَ الليلِ المتهالكِ،
جِذْعَكِ وَوَتَرًا مَبْحُوحًا بالغيابِ،
نُلقي بالأسماءِ في فوهاتِ السَّرابِ في الفيافي الممتدةِ،
وأنتِ تُشرقينَ بلا ثمنٍ، في عُمقِ الفراغِ…
والموقدُ، البابُ المُوارَبُ، المصباحُ، كتابُ الرحيلِ، قنينةُ العطرِ المُعلَّقةُ في الصمتِ،
ثوبُكِ الشفافُ على شرفةِ الضياعِ،
المرجانُ المخبّأُ في ضفائركِ الذهبيةِ،
ومجرَّدُ ابتسامةٍ عابرةٍ.
سنُهدي لكِ الفجرَ بأكملهِ متى تشائينَ،
ومعَ هذا
سامحينا لم نُدركْ عُمقَ المحيطِ في لَمْحِ عينيكِ،
وخافقَكِ في مَخْدَعِهِ،
فغرقتِ المدائنُ في بحرِ سُباتِها،
وأقمتِ فينا رقصاتِ الجَدْبِ،
دَسَسْتِ صرخاتِ البرقِ جافةً في سمائِنا،
ولمْ نَبْسُطْ ذراعًا.
أخبرَنا الشاهدُ الأخيرُ أنكِ قادمةٌ،
وحيدةً في جحافلِ الصمتِ،
ومعَ هذا لمْ نُخفِ ريشةَ طائرٍ واحدٍ،
لنُنقذَ أغانينا وأنتِ على صهوةِ الأحلامِ،
تذبحينَ لانتصاراتكِ علينا،
قطيعَ الذُّبولِ، وتُعلِّقينَ النجومَ،
كلُّ هذا لأنَّ الظلَّ تاهَ بينَ مسالكِ أرواحِنا!؟
كلُّ هذا لأنَّ غريبًا كَسَرَ أقفالَ الصباحاتِ البِكرِ،
من صحارينا البعيدةِ!؟
ألا يكفي صهيلُ الخيولِ في أزقةِ الأمسِ؟
حتى مواجعَ القلبِ سمّيناها لأجلكِ قصائدَ،
ورَمَيْنا فيها الحالمينَ، النوارسَ، وبائعاتِ الضوءِ، الثَّمِلينَ، الشعراءَ، غصنَ شجرٍ مَيِّتٍ، ورصيفا صغيرًا للأماني القتيلةِ.
ولمْ تَنسَيْ أبدًا أنني،
لمْ آتِ في الموعدِ المُنقضي.
يومَها كانتْ الشوارعُ صدىً فارغًا وأنا في طريقي إليكِ،
كانتْ الحافَةُ فتاةً تبيعُ الصمتَ بالهمسِ،
والخاتمةُ أسماءَ الفراشاتِ التي أطلقتها،
وأنا صرخةٌ وسطَ الليلِ باللونِ القرمزيِّ،
كتبَها النجمُ الساطعُ.
الخبرُ مُنْحَتٌ في لَوْحِ حجرٍ،
وهديرُ الأنهارِ اليابسةِ،
وأنا بينَ الصورِ والأغنياتِ الحزينةِ.
في فوهاتِ السَّرابِ والفيافي،
وقطيعِ الضوءِ في الأوطانِ المنكوبةِ،
فلا تَهزِّي زجاجَ الفجرِ إذا ما التقتْ مواسمُ الشوكِ،
فهكذا حالي، هكذا وَصَلَنا.