تقارير وتحقيقات

يورو نيوز: إسرائيل تستعد لضرب إيران: مناورة سياسية أم حرب شاملة؟

تؤكد إيران أن أنشطتها النووية سلمية بالكامل وموجهة للاستخدام المدني، لكن إسرائيل تزعم أن الخداع الإيراني السابق يعني أن الرد العسكري هو السبيل الوحيد لمنع طهران من تطوير قنبلة نووية.
أمرت الولايات المتحدة بإجلاء موظفي سفارتها غير الأساسيين وعائلاتهم من عدة دول في الشرق الأوسط مساء الأربعاء مع استمرار تصاعد التوترات في المنطقة.
ويأتي القرار وسط طريق مسدود واضح في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، حيث قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه أصبح “أقل ثقة” في أن البلدين سيتوصلان إلى اتفاق للسيطرة على طموحات طهران النووية.
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها ستقوم بإجلاء جزئي لموظفيها من السفارة الأميركية في بغداد “للحفاظ على سلامة الأميركيين في الداخل والخارج”.
يأتي ذلك بعد أن قال مسؤولون أميركيون لشبكة “سي بي إس” إنهم تلقوا إشعارا بأن إسرائيل مستعدة لشن عملية عسكرية في إيران وأن المواقع العسكرية الأميركية في العراق المجاور قد تكون هدفا لرد من طهران.
لكن هل ما يحدث الآن مجرد مناورات من جانب إيران لحماية برنامجها النووي، أم أن المنطقة تواجه بالفعل سيناريو ضربة عسكرية مفاجئة قد تشعل حرباً إقليمية شاملة؟
لقد حذرت إسرائيل منذ فترة طويلة من أن البرنامج النووي الإيراني ليس سلميا بطبيعته، وأنه إذا قامت إيران بتطوير أسلحة نووية، فمن المحتمل أن تصبح إسرائيل هدفا لضربة نووية.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أصدر تحذيرا مباشرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم توجيه ضربة لإيران، قائلا إن العمل العسكري الأحادي الجانب هو أمر محظور وأن الدبلوماسية تحتاج إلى فرصة للنجاح.
من ناحية أخرى، يرى بعض منتقدي نتنياهو أن التصعيد العسكري في إيران يضمن مستقبله السياسي ويحدث تأثيراً مماثلاً للجبهات التي فتحها في لبنان وسوريا.
هل ستتحمل إيران الضربة أم سترد؟
أي حرب مع إيران لن تأتي دون تكلفة باهظة على الولايات المتحدة. فالقواعد الأمريكية في العراق والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة ستكون جميعها عرضة لهجمات صاروخية إيرانية في حال نشوب صراع.
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي بصراحة: “نحن نراقب عمق أهداف العدو ومستعدون لأي سيناريو”.
وحذر وزير الدفاع الإيراني عزيز ناصر زاده من أن أي ضربات لن تمر دون رد، وتعهد بقصف القواعد الأمريكية في المنطقة.
لكن هل هذا مجرد كلام، أم أن إيران ستنفذ تهديداتها؟ ومن المشكوك فيه ما إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في التورط في صراع طويل الأمد آخر في الشرق الأوسط بعد وقت قصير من سحب آخر قواتها من العراق بعد قرابة ثماني سنوات من وجودها فيه.
وفي وقت تتصاعد فيه التهديدات، يبدو أن نشر هذا الأسطول يعزز قدرة واشنطن على التحرك السريع، ولكنه يجعلها أيضا هدفا مباشرا لأي رد إيراني.
وفي خضم التوتر الإقليمي، يخشى الفلسطينيون في قطاع غزة من أن تصبح قضيتهم على الهامش.
وقد يؤدي هذا إلى تحويل غزة إلى “قضية منسية” في حالة اندلاع مواجهة إقليمية كبرى، مع كل التكاليف الإنسانية التي قد تترتب على ذلك.
ماذا عن الحوثيين وحزب الله؟
توصل الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن، والذين يدعمون غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 من خلال استهداف ما يعتقدون أنه تسوق مرتبط بإسرائيل في البحر الأحمر، مؤخرا إلى اتفاق مع واشنطن لوقف مهاجمة سفن الشحن.
ولكن هناك احتمال قوي أنه إذا تعرضت إيران للهجوم وقامت بشن ضربات مضادة، فإن هذا الاتفاق سوف يُنسى وسوف يعيد الحوثيون تسليح أنفسهم ويبدأون القتال دعماً لداعمهم المالي الرئيسي.
ويهدد التصعيد الجديد في ممرات التسوق الرئيسية في البحر الأحمر وما حولها برفع أسعار السلع الأساسية والنفط وتعطيل تدفق البضائع بين البلدان.
والمسألة الأخرى هي لبنان.
على الرغم من توصل إسرائيل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حزب الله اللبناني في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، فإن الضربات الإسرائيلية على لبنان لم تتوقف حقا، حيث يزعم أن جيش الدفاع الإسرائيلي يستهدف أعضاء حزب الله ومنشآته.
حتى الآن، ظل حزب الله صامتاً إزاء التوترات المتصاعدة، لكن مثل الحوثيين، فإن داعمه المالي الرئيسي هو إيران.
إن التوقعات هي أن حزب الله سوف يشن ضربات تضامنية مع إسرائيل، ورغم أن المجموعة ضعفت عسكريا بعد عام من تبادل إطلاق النار عبر الحدود بشكل يومي تقريبا مع إسرائيل، فإن المؤشرات تشير إلى أن حزب الله يحتفظ بقدرة هجومية كبيرة يمكن أن تترجم إلى ضغط على الجبهة الشمالية لإسرائيل.
أين يقف العراق وسوريا؟
يقف العراق عند نقطة حساسة للغاية. تُبقي الفصائل المسلحة الموالية لطهران، وعلى رأسها كتائب حزب الله العراقية، على جاهزيتها تحسبًا لأي تطور عسكري ضد إيران، مما يثير تساؤلات مُلحة حول ما إذا كانت هذه الفصائل ستكون رأس الحربة في استهداف القواعد الأمريكية أو المصالح المرتبطة بإسرائيل من داخل الأراضي العراقية.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه بغداد لا يتمثل فقط في اتخاذ موقف حاسم من الأزمة المحتملة، بل في كيفية إيجاد التوازن بين تجنب المواجهة المدمرة من جهة، والحفاظ على الاستقرار الأمني ​​الهش من جهة أخرى.
وتشير تقارير أمنية إلى مخاوف جدية من عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الظهور، مستغلا الصراع الإقليمي والفراغ الأمني ​​المحتمل.
وفي هذا السياق، يبدو العراق مهدداً بالانجرار إلى صراع لم يكن طرفاً فيه، بل قد يجد نفسه فجأة في قلب معركة تتجاوز قدرته على التحمل أو السيطرة على مسارها.
منذ تولي الرئيس المؤقت أحمد الشرع السلطة، تشهد سوريا تحولاً تدريجياً في نهجها تجاه العلاقات الإقليمية والدولية، وسط انفتاح على الغرب وتلميحات إلى تقارب غير مسبوق مع إسرائيل.
ويثير هذا التحول، الذي لا يزال في طور التشكل، سؤالاً مركزياً: في ضوء التفاهمات الجديدة، هل يمكن للأراضي السورية أن تصبح ممراً أو منصة لأي عمليات عسكرية في حال نشوب صراع؟
من ناحية أخرى، لا يخلو هذا السيناريو من تحديات داخلية. ستسعى فلول النظام السابق إلى استغلال الوضع الجديد لاستعادة نفوذها، في حين يُشكل تجدد تهديد داعش تهديدًا حقيقيًا للاستقرار.
أما الشرع، فهو أمام اختبار مصيري. إذا اندلعت حرب إقليمية، فهل سيبقى على الحياد أم سيحاول تحديد موقعه في معادلة إقليمية معقدة بانحيازه إلى طرف؟
يبدو التحالف مع إيران مستبعدًا في ظل المسار السياسي الجديد، وكذلك التحالف ضد إسرائيل. وبين هذين “المستحيلين”، تنتظر المنطقة لترى كيف ستتمركز دمشق في المرحلة المقبلة.
الفائزون والخاسرون
إن أي ضربة عسكرية ضد إيران لن تكون عملية سريعة أو سهلة، بل ستكون خطوة محفوفة بمضاعفات استراتيجية وأمنية هائلة.
إن اندلاع المواجهة يعني توسيع نطاقها لتشمل جبهات متعددة، وإحداث خلل واسع النطاق في التوازنات الإقليمية، وتعريض المصالح الحيوية في الشرق الأوسط لضربات مؤلمة.
من الجانب الإسرائيلي، قد يرى نتنياهو في المعركة فرصة للهروب من أزماته السياسية والقضائية الداخلية ــ فهو يواجه اتهامات في ثلاث قضايا فساد منفصلة ــ وتحقيق مكاسب شخصية على حساب استقرار المنطقة.
أما الولايات المتحدة، ورغم قوتها العسكرية الهائلة، فإنها تواجه لحظة حاسمة، بين اعتماد سياسة ردع مقصودة أو الانجرار إلى صراع مفتوح قد يكلفها غالياً، خاصة في ظل نشر قواعدها العسكرية في المنطقة المحيطة بإيران.
ستكون إيران، المنهكة أصلاً من العقوبات الغربية والضغوط الاقتصادية المتراكمة، أول المتضررين من أي حرب، وهو ما يهدد بتفجير الوضع الداخلي وتوسيع دائرة الغضب الشعبي، في وقت تواجه فيه قيادة البلاد اختباراً مزدوجاً؛ الحفاظ على التماسك الداخلي، والرد على التهديدات الخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى