رؤي ومقالات

أحمد شوقي يكتب :‎ الأسد الصاعق .. والردع الأخير

حدث ماكان يحذره الجميع ويتوقعه يقيناً الأكثر فينا تفاؤلاً ،دعونا نقول أن الكل كان يعلم أن ثمة حدثاً جللاً ما سوف يشق جدار الصمت بمنطقة الشرق الأوسط منذ أسابيع علي أقل تقدير ،حتي باتت الخيوط تتشابك حول منطقة الشرق الأوسط ذات الطبيعة الاقتصادية والجيوسياسية المتأججة منذ عقود ،وما كان لينقص المنطقة لتزداد اشتعالاً سوى إلقاء المزيد من الوقود فوق نيرانها التي لاتخمد في مكان حتي تندلع في مكان آخر .
▪️▪️▪️
فبعد تراكم التهديدات المتبادلة لأشهر بين الجانبين الاسرائيلي والإيراني ،وبعد خفض أعداد البعثات الدبلوماسية وإخلاء السفارات الأمريكية والبريطانية وتبعتها بعض السفارات الأوروبية ببغداد والعراق والبحرين ،وبعد التحذيرات الأميركية والبريطانية لرعاياهم بمغادرة المنطقة وعدم الإقتراب من مناطق الصراع المتوقعة ،وما تزامن مع ذلك من تهاوي جماعي لبورصات الأوراق المالية بالمنطقة مع إرتفاع مفاجيء بأسعار النفط العالمية ،كل ماسبق كان كافياً لتوقع الضربة العسكرية المهينة التي نالت من كبرياء طهران فجر اليوم الجمعة ١٣ من يونيو الجاري وما ينتظر لتوابعها من رد علي المحك .
الضربة المنتظرة خلال الأسابيع الماضية كانت متوقعة بكافة لغات العالم ،إلا اللغة الفارسية التي لم تأتِ توقعاتها للأحداث علي نفس المستوى ،وهو ما أبدي من الصعوبات ما يكفي لظهور الجانب الإيراني بدور الرجل ( الأصم ) الذي يعبر الطريق وسط ميدان يعج بأبواق السيارات المتداخلة وهو يحسبه مجرد مرآبا للسيارات الساكنة ،وإلا علي أحدهم أن يخبرنا كيف أخترقت هذه الأعداد المهولة من الصواريخ الذكية سماء طهران لتظفر بأهدافها الأرضية ومواقعها النووية الهامة وقواعد الصواريخ الإيرانية بعيدة المدي كما نالت بعض رؤوس قادة الجيش الإيراني وأهمهم رئيس الحرس الثوري الايراني اللواء حسين سلامي ورئيس اركان الجيش الايراني محمد باقري وكذلك اغتيل أحد العلماء المميزين بالبرنامج النووي الايراني وهو محمد مهدي طهرانجي ، كيف تم ذلك بهذا الهدوء ودون غطاء من الدفاعات الارضية أو مقاومة من المنظومات الصاروخيّة ،بل ولا ابالغ حين اقول أن حتي صافرات الإنذار لم تدوي بالعاصمة طهران !.
اسرائيل كانت قد أعلنت فجر الجمعة ١٣ من يونيو الجاري عبر وزير دفاعها يسرائيل كاتس عن قيام جيشها بتنفيذ “ضربة استباقية” ضد إيران والتي جاءت لتؤكد التوقعات والمخاوف المتزايدة من انزلاق المنطقة إلى مواجهات عسكرية شاملة ،خاصة في ظل حرب الإبادة الجماعية علي مدينة غزة ،وبعد أشهر من تصاعد التوتر الإيراني حيال المخاوف الأمريكية والاسرائيلية من تطورات الملف النووي الإيراني وتصاعد التهديدات المتبادلة بين الجانبين.
‎وعاد كاتس بعدها بدقائق قليلة من إعلانه عن الضربات ،ليعلن عن “رفع مستوى الطوارئ في الجبهة الداخلية الإسرائيلي للدرجة القصوى ،تحسباً للرد الإيراني بهجمات جوية بواسطة طائرات مسيرة مع فرض الحظر الكامل في إسرائيل بإجراءات احترازية مشددة وغير مسبوقة شملت حظر الأنشطة التعليمية وحظر التجمعات ،وكذلك حظر فتح أماكن العمل باستثناء القطاعات الحيوية ‎،كما أعلنت سلطات الطيران المدن الإسرائيلية عن إغلاق المجال الجوي أمام حركة الطيران المدني لحين إشعار آخر في مؤشر واضح على ترقب التهديدات وقرب حدوث الرد المتوقع من الجانب الإيراني .
علي الجانب الآخر وعلي اثر تلك الهجمات كان بيان وكالة الأنباء الإيرانية (أرنا) يصدر علي استحياء ليعلن عن دوي انفجارات قوية في مناطق بالعاصمة طهران ،ولكن من دون تقديم تفاصيل فورية حول حجم أو مصادر الانفجارات وطبيعتها ،لكن تزامن النبأ مع الإعلان الرسمي الإسرائيلي يؤكد إرتباطهما بالضربة المعلنة والتي أطلق عليها رمزاً عملية “الأسد المتصاعد”.
▪️▪️▪️
‎الهجمات التي طالت العاصمة طهران فجر اليوم ،سبقتها بعض الأحداث
‎ الدولية مثل الهجمات الجوية الهندية علي باكستان ،والهجمات الأوكرانية علي المطارات والقواعد الجوية الروسية ،ثم ظهور خلافات مفاجئة بين رجل الإقتصاد الأمريكي ايلون ماسك والرئيس دونالد ترامب ،وكذلك الآثار السلبية المترتبة حيال القرارات الخاصة بالمهاجرين في الولايات المتحدة وما تبعها من أحداث دامية في ولاية كاليفورنيا الأميركية ،وحراكاً عربياً متمثل في قافلة من نشطاء بالمغرب العربي المتوجهة لكسر حصار غزة (بحسب ماتردد) ! ،حتي كارثة سقوط طائرة آير إنديا فوق مناطق مأهولة بمدينة أحمد آباد الهندية ومانتج عنها من خسائر بشرية ،وكلها أحداث تبدو في مظهرها وكأنها غير متسقة ولكنها في جوهرها غير ذلك لما أضفته علي العالم من مفهوم الفوضي الخلاقة المطلوب إحداثها لتسبق الأحداث ،في انتظار حدث أضخم يبتلعها جميعاً ،كالحدث الجسيم الذي نحن داخل بؤرته الآن ،لتحبس أنفاس سكان منطقة الشرق الاوسط وهم يترقبون المشهد ونتائجه المتداخلة بين التصعيد الإسرائيلي ورد الفعل الإيراني ،وكلها سيناريوهات توقعها الجميع دون أن تتوقعها أجهزة الإستخبارات الإيرانية ،أو تظهر الآلة العسكرية الإيرانية أو الساسة الإيرانيون كرامة ما ،تدفع بها عن نفسها وبلادها شراً أراده بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء ووزير دفاعه يسرائيل كاتس،اللذان وضعا منطقة الشرق الأوسط برمتها علي المحك ،وبات الجميع يترقب ويتحري مدي وقدرة الرد الإيراني على الرد حد الردع ،وإلا ستبقى الأمور حالكة لسنوات طويلة حال تباطأ الرد الإيراني ،وحينها ستأخذ الدولة العبرية بداية طريقها بالعلو الجبري علي جيرانها وهو مايُخطَط له منذ عقود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى