أشرف الصباغ يكتب :إيران “دولة” مكشوفة تماما

البعض يرى أن الضربة الإسرائيلية لإيران يقف وراءها تعاون عسكري تقني وأمني واستخباراتي لإسرائيل مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وعلى الرغم من هذا التخمين، إلا أنه أقرب إلى الواقع بحكم تحالفات الدول وتعاونها في مجالات مختلفة. ومع ذلك فهذا التخمين، أو حتى هذه الحقيقة، لا يغيران من الأمر الواقع شيئا. فالضربة قد حدثت، وتم تصفية كل القيادات الإيرانية تقريبا، ما عدا المرشد الأعلى. فضلا عن إخراج كافة المنشآت والمواقع اللوجستية عن العمل.
من جهة أخرى، إيران تتعاون عسكريا وأمنيا واستخباراتيا مع روسيا والصين وكوريا الشمالية. وقبل 48 ساعة فقط أعلنت طهران أنها صادقت على اتفاقية التعاون الاستراتيجية الشاملة مع روسيا. وقبل أسبوع تقريبا، أعلنت روسيا أنها بصدد مناقشة إنشاء وحدتين نوويتين جديدتين مع إيران. ما يعني أن التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني والمعلوماتي موجود بين إيران وكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية. فلماذا لم تتعاون هذه الدول مع إيران؟!! هذا السؤال هو الرد الطبيعي والمنطقي على من يتركون الضربة وتأثيرها ونتائجها، ويسعون إلى توجيه الأمور إلى اتجاهات ومسارات أخرى عقيمة وغير مفيدة على الإطلاق، اللهم إذا كان البعض يسعى إلى ترك ما يجري، والذهاب إلى التبرير والنواح والولولة..
نعم، الضربة الإسرائيلية موجهة ليس فقط بسبب البرنامج النووي الإيراني، وليس فقط بسبب التهديدات الإيرانية الصبيانية طوال عشرات السنين بإبادة إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن لأهداف أكثر أهمية وشمولا تتعلق بالنظام الدولي والإعداد لإجراءات لاحقة تخص شكل وهيكلة النظام العالمي. و”التعامل” مع إيران جزء من هذه التحضيرات.
لو كانت إيران تمتلك أسلحة صاروخية ضاربة، وسفن فضاء وأقمار صناعية جبارة كما تعلن لنا كل يوم في أشكال دعائية فجة ورخيصة، فلماذا لم تستخدمها؟ وإذا كانت إيران لديها قدرات نووية ولو ضئيلة، فلماذا لم تعمل على حمايتها بأسلحة متطورة، يمكن أن تستوردها من أصدقائها وحلفائها في روسيا والصين وكوريا الشمالية؟!
المزايدات والإعلانات والحروب الدعائية، إذا لم تكن مبنية على رصيد مادي في الواقع، فإنها تشكل وبالا على أصحابها، وعلى من يستخدمونها لخداع أنفسهم، وخداع شعوبهم، وخداع حلفائهم، وخداع العالم. وهذا ما رأيناه في تجارب كثيرة منذ عام 67 حتى الآن، مرورا بتجربة العراق وليبيا وسوريا، التي فر رئيسها في ظلام الفجر إلى من كان من المفترض أنهم يحمونه ويحمون قصره!!!
سنرى جميعا، وبأعيننا، وسنسمع بآذاننا، ما ستقوله روسيا والصين وكوريا الشمالية من بيانات شجب واستنكار وإدانة ومطالبات بعقد جلسات في مجلس الأمن. سيتكرر نفس السيناريو، ونفس التهديدات الحنجورية. بينما التوقعات سيئة للغاية وغير مطمئنة على الإطلاق، حتى لو اكتفت إسرائيل بالضربة الأولى مؤقتا.
البعض يرى أن الخطوة القادمة، او ربما أحد أهداف الضربة، هما التخلص من النظام الإيراني بالكامل، وترتيب إيران بطريقة أخرى من الداخل. هذا أيضا وارد نظريا.. ووارد أيضا عمليا، لأنه أمر طبيعي في ظل تدهور الأوضاع في الداخل الإيراني الذي تعرض لضربات قاتلة طوال السنوات الثلاث الأخيرة، وعمليات القتل والاغتيال للقيادات الإيرانية العليا، والموت بالصدفة للرئيس الإيراني نفسه!! فضلا عما حدث لقيادات حماس في طهران، وعما حدث لحزب الله وقياداته، وحماس وقياداتها، وما يحدث مع الحوثيين حاليا.
وبالمناسبة، لا روسيا ولا الصين يهمهما كثيرا ما يحدث لإيران، لأنه حدث وانتهى الأمر، وأصبح واقعا لا يمكن تغييره. المهم لهاتين الدولتين، هو ترتيب أوراقهما لتحقيق مصالحهما من جهة، ولضمان موطئ قدم لهما في أي ترتيبات دولية لاحقة.
أعرف أن التحليلات الهادئة والباردة لا تتماشى مع رغبات البعض، ولا تتوافق مع غضب البعض الآخر ومراراته بسبب الأوضاع الجارية، سواء في بلاده أو في العالم. وأعرف أيضا أن البعض قد يترك الواقع وما يجري فيه، ويشتبك مع الآخرين المخالفين له في الرأي. لكن في كل الأحوال، الواقع هو الواقع، ولا علاقة له بـ “لو”، وبـ “إذا”، وبأي تهويمات أو افتراضات وخطط وأوهام، أو بعلم البعض بالخطط السرية والمحادثات السرية والوثائق السرية.. إن الواقع هو أصدق مرآة لما يجري بعيدا عن الأوهام..
إيران “دولة” مكشوفة تماما، مهما كانت دعايتها وتصريحاتها وتهديداتها. وزاد انكشافها بعد تقطيع أذرعها وذيولها. وهي دولة مهلهلة من الداخل. وأعتقد أن دور الداخل الإيراني لعب ما لا يقل عن 50% مما جري ويجري، وسيجري لها. إن إيران تُضرَب الآن من الداخل أيضا. وهذا يوضح مدى انكشاف البلاد، ومدى انهيار النظام السياسي الذي لا يملك إلا الجعجعة والدعايات. ومرة أخرى، الواقع هو الواقع، بعيدا عن غضبنا واحلامنا ورغباتنا. والحل الوحيد هو النظر بواقعية إلى ما يحدث، ومحاولة العثور على طريق أكثر واقعية للتعامل مع التحولات العالمية والإقليمية الخطيرة والمتطرفة، ومن ضمنها التحولات الأمريكية والهيمنة الإسرائيلية، لكي لا نواصل الوقوع في نفس الأفخاخ والمصائد..