رؤي ومقالات

أيمن زين الدين يكتب :الحرب الإسرائيلية-الإيرانية

هذه الحرب التى تشنها إسرائيل على إيران لا تقتصر على هدف القضاء على برنامجها النووى، ولا قوتها العسكرية، ولا نظامها السياسى، ولا حتى على إيران نفسها….. الهدف الحقيقى لهذه الحرب -التى تسعى إليها إسرائيل منذ 30 عاماً على الاقل- هو استكمال مشروع هيمنتها الكاملة على الإقليم، الذى ستكون بعده هى القوة المسيطرة والمطاعة فى المنطقة، والتى لا يوجد حولها أى قوة لديها القدرة -وليس فقط الرغبة- على تحديها بأى صورة من الصور….
فى ظل هذا الواقع الجديد لن تترك إسرائيل لمن حولها إلا الفتات، ولن يكون هناك قوة عسكرية ولا ثروة مالية ولا نفوذ عالمى إلا لها…. والحقيقة أنها أكدت هذا بالفعل عندما رفضت أى بديل آخر، حتى المشروع السخى الذى طرحه العرب عليها من خلال المبادرة العربية، والذى كان يحقق لها مكانة متميزة وقبولاً اقليمياً شاملاً دون أى قيود على قدراتها، مقابل دولة فلسطينية محدودة…. فهو يعنى أن الفلسطينيين لن يكون أمامهم فى مواجهة عملية ابتلاع الأرض المحتلة فى 1967 ومحاصرتهم وإذلالهم ودفعهم إلى الهروب إلا المقاومة المسلحة، وهذه ستصل بالضرورة إلى مدنيين إسرائيليين، وهو ما سيكون المبرر الذى تستخدمه اسرائيل، ليس فقط للرد على التهديد المباشر، وإنما بالطريقة التى تحقق مشروعها الأكبر……
السؤال الآن -ما لم يأت رداً إيرانياً مزلزلاً، يضرب إسرائيل فى مقتل ويغير الحسابات جذرياً- هو أين ستكون الجولة المقبلة فى الحملة الإسرائيلية لاستكمال هيمنتها…..؟ هل هى كسر الطموح التركى، أم إخضاع السعودية، أم استئصال أى فرصة مستقبلية لنهوض مصر….؟ وكيف ستعمل على السيطرة على الثروات والفوائض المالية التى تغرق فيها المنطقة، لتضيفها إلى قوتها ونفوذها، وتسحبها من رصيد قوة ونفوذ الدول العربية…؟ المؤكد أن هذه تمثل عناصر أساسية فى برنامج العمل الإسرائيلى المستقبلى، والذى لا يوجد ما قد يعوقه سوى عوامل الضعف التى بدأت تنتشر فى الجسد الوطنى الإسرائيلى، والتى قد تهدأ بعض الشئ فى ظل هذه العملية العسكرية، إلا أن عمقها وحدتها سيجعلها تعود مجدداً للتفاعل….
لكن هذا بدوره حدد للقوى الإقليمية، وفى مقدمتها مصر وتركيا والسعودية وإيران (أو ما سيبقى منها) برنامج عملها للعقود المقبلة، إن هى أرادت البقاء والحفاظ على مصالحها واستقرارها وكرامتها، بل واستقلالها ووحدة اراضيها…. هذه الدول كلها تعرف عناصر ضعفها ومواطن تخلفها وكل ما تحتاجه هو أن تواجه نفسها بالحقائق فى هذه اللحظة المصيرية الفارقة، كما أنها لديها رصيداً معتبراً من القدرات والتجارب والخبرات والفرص التى ينبغى الآن استثمارها وتوجيهها شطر التحدى الأعظم بكل جدية وانضباط وجسارة ونفس طويل، والاستعداد لتحمل ما لذلك من تكلفة، مع الامتناع أخيراً عن توجيهها نحو أبناء الوطن أو فى التنافس الفارغ فيما بينها….
الأمر بالفعل جلل، والمستقبل عسير فى أفضل الاحتمالات، بينما فى غيرها لن يوجد لنا مستقبل أصلاً….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى