رضا عبد العزيز سلامه يكتب:صراع التقنية والبارود: حرب إسرائيل وإيران تدخل عصرًا جديدًا

في خضم تصاعد غير مسبوق للتوترات بين إسرائيل وإيران، يبرز اختلاف جوهري في طبيعة المواجهة الحالية: فبينما تدفع إسرائيل بثقلها نحو **حروب المستقبل** المعتمدة على التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، تمسك إيران بأسلحتها التقليدية من صواريخ وطائرات مسيرة، في صراع يعيد تشكيل ملامح الشرق الأوسط ويكشف عن هوة تكنولوجية متسعة.
**الضربة الذكية: إسرائيل ترفع سقف المواجهة**
شهد يوم 13 يونيو 2025 نقلة نوعية مع إطلاق إسرائيل “عملية الأسد الصاعد” (Operation Rising Lion). لم تكن هذه الضربة تقليدية؛ فقد اعتمدت على تنسيق دقيق غير مسبوق بين أكثر من 200 طائرة مقاتلة وأسراب من الطائرات المسيرة الصغيرة التي تم **تسللها مسبقًا** داخل الأراضي الإيرانية بعمليات استخباراتية معقدة نفذها عملاء الموساد. هدفها الرئيسي كان تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية عبر هجمة مركزة، سنوات من العمليات الاستخباراتية والهجمات السيبرانية وحملات الاغتيال التي استهدفت البنى التحتية النووية والعلماء وقادة الحرس الثوري، مستفيدةً بشكل كبير من تكنولوجيا استخباراتية متطورة.
**الرد التقليدي: إيران وحروب الوكالة والنيران**
في المقابل، تثابر إيران على استراتيجيتها المعهودة. فبدلاً من التحدي التكنولوجي المباشر، تعتمد على ترسانتها التقليدية من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، تُطلقها بشكل رئيسي من قواعد ومواقع تابعة لها و لوكلائها في محاولتها لكسر الحصار الإسرائيلي-الغربي تأخذ شكل “ضربات نارية” مشتركة، مستمرة في نهج “حروب الوكالة” الذي رسخته منذ الثورة الإيرانية عام 1979 ودعمها لحركات المقاومة الفلسطينية والشيعية، والذي تصاعد حدته خلال الحرب الأهلية اللبنانية والصراعات الإقليمية اللاحقة.
**من حرب الظل إلى المواجهة المباشرة: مسار تصاعدي**
لم تعد المواجهة محصورة في إطار “الحرب الباردة بالوكالة” التي سادت منذ منتصف الثمانينيات، حيث دعمت إيران حزب الله وحماس وردت إسرائيل بالاغتيالات والهجمات الجوية والسيبرانية (مثل هجوم ستوكسنت الشهير 2010). لقد قفزت إلى مستوى المواجهة شبه المباشرة، خاصة بعد الهجمات الكبرى في أبريل وأكتوبر 2024، عندما أطلقت إيران مئات الصواريخ والطائرات المسيرة نحو إسرائيل، وتم صد الغالبية العظمى منها بدعم غربي حاسم. تلا ذلك تبادل للضربات المباشرة تصاعدت حدته: استهداف إسرائيل لمنشآت في سوريا ولبنان، ثم انتقال الضربات الإسرائيلية لتصيب الأراضي الإيرانية نفسها لأول مرة بشكل علني ومكثف في “عملية الأسد الصاعد”، مما أسفر عن خسائر بشرية ومادية إيرانية كبيرة، بينما برز التفوق التكنولوجي الإسرائيلي بوضوح.
**تداعيات إقليمية: المنطقة على شفا الهاوية**
لا تقتصر تبعات هذا الصراع على الطرفين المباشرين. فالعالم العربي يواجه تداعيات جسيمة متوقعة:
* **دمار شامل:** تدمير البنى التحتية في دول المواجهة.
* **أزمة إنسانية:** موجات نزوح جديدة وضغوط اقتصادية خانقة.
* **صدمة الطاقة:** تصاعد أسعار النفط وتهديد خطوط إمداده وممراته الحيوية في الخليج.
* **انقسام إقليمي:** دخول بعض الدول العربيه والولايات المتحدة والدول الأوروبية كأطراف فاعلة عبر دعم أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، مما يضع المنطقة أمام سيناريو تصعيد مفتوح إذا تجاوزت الضربات حدود الرد “المتكافئ”.
**سيناريوهات المستقبل: من يكتب الفصل التالي؟**
تتجه أنظار المحللين نحو احتمالين رئيسيين:
1. **انتصار إسرائيلي:** قد يؤدي إلى:
* كبح الطموحات النووية الإيرانية بشكل كبير.
* إعادة رسم التحالفات الإقليمية لصالح محور الشرق الأوسط الجديد.
* إضعف نفوذ وكلاء إيران
2. **انتصار إيراني (أو احتواء الضربات):** قد يعني:
* تعزيز مكانة إيران كقوة إقليمية مهيمنة.
* ترسيخ “المحور الشرقي” من طهران إلى البحر الأحمر.
* تعميق الانقسامات بين دول الخليج.
* إحداث تغيير جذري في موازين القوى الدولية.
**حرب الظل الممتدة: النموذج الأرجح**
رغم حدة المواجهة، يتوقع العديد من الخبراء ألا تسير الأمور نحو حرب شاملة تقليدية. النموذج الأكثر ترجيحًا هو استمرار “**حرب الظل الممتدة**”:
* ضربات جوية واستخباراتية مستهدفة.
* حروب سيبرانية وبرامج تجسس متطورة.
* تصعيد متواصل لحروب الوكالة في سوريا ولبنان واليمن.
* فترات من الهدوء النسبي تتخللها موجات تصعيد حاد، دون إعلان نصر نهائي أو هزيمة كاملة.
**التكنولوجيا: المحرك الذي يغير وجه الحرب**
يظل العامل الحاسم في هذه المعادلة هو **التفوق التكنولوجي**. فتوظيف إسرائيل المكثف للذكاء الاصطناعي في توجيه الطائرات المسيرة، وتحليل البيانات الاستخباراتية الفوري، وإدارة شبكات الاتصالات القتالية المتقدمة، يُحدث ثورة في الفنون العسكرية. وفي المقابل، قد تدفع التكلفة العالية والتهديد بالتطوير التقني إيران إلى إحياء استراتيجيات تقليدية بشكل جديد، مع التركيز على تطوير ترسانتها الباليستية وطائراتها المسيرة لمواجهة التعطيل التكنولوجي، بينما تعزز إسرائيل ما يُعرف باستراتيجية “**اليد الخامسة**” – شبكات العملاء الداخلية – استعدادًا للمواجهات القادمة.
**السؤال المصيري: دبلوماسية أم دوامة تصاعد؟**
يرقب العالم بقلق: هل تنجح مسارات التسوية الدبلوماسية الخافتة في كبح جماح التصعيد؟ أم أن الشرق الأوسط يسير بخطى حثيثة نحو حرب مفتوحة لا تُبقي ولا تذر؟ الواقع يشير إلى أن منطق “حرب الظل الممتدة” مع فترات تصعيد هو السائد حاليًا. في هذه اللعبة الكبرى، لم تعد الحرب مجرد اشتباك عسكري؛ لقد تحولت إلى حلبة معقدة تتقاطع فيها التكنولوجيا والسياسة والدعاية. مصير منطقة بأسرها معلق على من ينجح في تثبيت موقعه أولاً، أو من يتمكن من فرض معادلته للردع في هذا العصر الجديد من الصراع.